اسباب اتساع دائرة الفقر في البلدان العربية
- اخبار , اقتصاد وصحة وتعليم , مقالات
- 18 أغسطس 2019
- d M Y
- 3096 مشاهدة
الدكتور عادل عامر… دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب… وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان.. ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية…. مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا.
ترتب على السياسات الاقتصادية في البلدان العربية ذات الدخل المتوسط والمنخفض ضعف مساهمة الفقراء في هيكل السلطة في المجتمع. كما إن انحياز السلطة إلى الفئة الغنية دون الفقيرة أدى إلى اتساع مقاييس اللامساواة في كل البلدان العربية إجمالاً.
لا تقتصر أسباب انتشار الفقر على ندرة الموارد الطبيعية والسياسات الاقتصادية للدولة بل أيضاً على اتجاهات الاقتصاد العالمي والمتغيرات الخارجية المؤثرة على ظاهرة الفقر أو على الحد منها. لا سيما أن الحكومات العربية سارعت إلى توسيع حالة الانفتاح الاقتصادي، والتجاوب مع أجواء العولمة التي سادت في الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين. إن تطبيق تلك السياسات قاد إلى أوضاع اقتصادية جديدة ساعدت على انتشار الفقر. والرأسمالية نفسها وعند تطبيق آلياتها لا بد لها من إنتاج عوامل الفقر.
وفي العولمة فإن إزالة الفقر أمر صعب جداً. لأن آليات العولمة تعمل في جغرافية واسعة جداً، وتضطر المجتمعات إلى التكيف قسرياً مع المتغيرات والحقائق الجديدة، وعندئذ يجب التطلع إلى وسائل للتحكم بالآثار الجانبية لها وهذا ما يسمونه بشبكات الأمان الاجتماعي، التي ترفق عادة مع تلك السياسات الاقتصادية غير العادلة.
إن الليبرالية الجديدة هي الخلفية النظرية لخطاب المنظمات الدولية وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والتي تحاول أن تنزع من الدولة دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد نتج عن تطبيق سياسات تلك المنظمات الدولية مضاعفة أرباح المراكز الاحتكارية في العالم والذي بدوره أدى إلى اتساع دائرة اللامساواة وإعادة إنتاج الفقر في البلدان العربية النامية.
إن نتائج البرامج الداعية إلى الإصلاح الاقتصادي، وعدم المساواة في توزيــع الدخل في البلدان منخفضة الدخل، في حين يحدث عكس ذلك في البلدان مرتفعة الدخل، إذ تضيق فجوة اللامساواة في تلك البلدان.
إن اتساع الفقر في البلدان العربية يعود في جانب أساسي منه إلى تبني سياسات الليبرالية الجديدة، دون النظر إلى الواقع والتاريخ الاقتصادي لتلك البلدان. والحل لكل ذلك يرجع إلى الانتقائية في تطبيق مبادئ العولمة، فليس حتماً على كل اقتصاد عربي اتباع نظريات وتوصيات لا تتفق مع مسار الحياة الاجتماعية فيه.
أما الاقتصاد، فإنه يهتم باستغلال الموارد البشرية والطبيعية استغلالاً أمثل بقصد زيادة رفاه المجتمع وإشباع حاجاته إلى أقصى حد والقضاء على الفقر واستثمار الموارد الإنتاجية النادرة بأقل كلفة، مع تعظيم النمو لهذه الموارد وزيادتها، حتى يتمكن المجتمع من إنتاج المزيد من السلع والخدمات اللازمة للمجتمع. يتضح من كشف الاحتياطيات الدولية الرسمية للدول العربية من الذهب، أن الملاءة المالية لكل دولة يعتمد على مدى اتباعها قاعدة الذهب في التعامل ومدى الملاءة النقدية التي يقابلها كمية الذهب وفقاً للنظرية المذكورة، علماً بأن وحدة الكميات بمليون أوقية، وكما يأتي: إن لبنان تمتلك احتياطياً ثابتاً من الذهب منذ العام 1994 والبالغ 9،22 مليون أوقية وهو أعلى كمية في الوطن العربي تليها الجزائر بكمية 5.58 مليون أوقية ثم ليبيا فالسعودية بكميات متساوية تقريبا والبالغة 4.60 مليون أوقية، أما موريتانيا واليمن فإن احتياطيهما لا يشكل شيئاً بالنسبة لكل الدول العربية بل هما أقل الدول امتلاكاً للاحتياطي من الذهب
أما كشفا الصادرات والواردات التي تعتمد على مدى إمكانيات الدول العربية من تصدير النفط بالدرجة الأساس فإن ترتيب الدول العربية، فتأتي السعودية بالمرتبة الأولى، وأما مجمل الدول الأخرى التي لديها موقف إيجابي بين الصادرات والواردات فهي، الجزائر والعراق والإمارات والبحرين وعمان وقطر والكويت وليبيا واليمن، وأما الدول التي تزيد وارداتها عن صادراتها فهي، الأردن وتونس والسودان وسوريا ولبنان ومصر والمغرب، فالأكثر فجوة بين الصادرات والواردات وهي، موريتانيا والصومال.
يُعد الوطن العربي من الدول التي بدأت بها دراسات الاقتصاد السياسي مؤخراً، كفلسفات وأفكار منفصلة عمّا سبقها من دراسات وأفكار عولمية، لذا سيركز هذا المحور على بيان السياسات العربية والتعرف على المسائل الجدلية في عملية صنع القرار العربي، وطبيعة الزعامة التي تعتبر الوصية على مصالح الشعب وإطلالة تلك الفلسفات السياسية على محاور التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية العربية.
مبدئياً يجب أن نعرف أن ليس ثمة نموذج سياسي للدول العربية تجسده دولة عربية معينة ومثل ذلك الحال في الاقتصاد العربي، لذا يجب علينا من الناحية المنهجية أن نكون حذرين من تعميم أي وصف أو تجربة وحتى فيما يتعلق بالمعرفة والأفكار الخاصة بالوطن العربي، أن الدراسات خلال القرن الماضي افترضت تجانساً بين بلدان الوطن العربي، وهي محقة إذا حسبت التقارب التاريخي ووحدة اللغة والتراث والدين، لكن إذا ما اقتربنا من واقع اليوم السياسي المتمثل بعدم الاستقرار السياسي والميل لتغليب المصلحة القطرية على المصلحة القومية وضعف العلاقات العربية وعدم وجود تشريعات قومية نافذة اقتصادية وسياسية مما أدى ذلك إلى حالة من التخوف والتحسب بين الدول العربية علاوة على وجود التأثيرات الخارجية ومنها التبعية السياسية.
وبنظرة تاريخية سريعة للدول العربية قبل أن تتكون لها كياناتها المعاصرة حيث كانت تابعة إلى الدولة العثمانية من الناحية الشكلية حتى دخول الاستعمار إلى بعض الدول العربية، مثل الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1835م واحتلال الانكليز لليمن عام 1839 وقيام الحمايات الاستعمارية البريطانية والفرنسية على عدد آخر من البلدان العربية،
حيث أقدمت السلطات الإنكليزية على عقد اتفاقيات مع عدد من مشايخ وسلاطين وأمراء الجنوب والخليج العربي حتى بداية القرن العشرين، وفرضت فرنسا معاهدة حماية مع تونس عام 1881 ومع المغرب عام 1912 ودخل السودان تحت الحكم الثنائي الانكليزي المصري عام 1899 واحتلت إيطاليا ليبيا عام 1913.
وبعد الحرب العالمية الأولى لم يبق تحت السيطرة العثمانية سوى سوريا والعراق والحجاز وبعض أجزاء شمال اليمن إذ احتل الإنكليز مصر للمرة الثانية عام 1919 وقد أطبق الإنكليز والفرنسيون والإيطاليون على الأغلبية الساحقة للوطن العربي، وإجمالاً استغرقت السيطرة الاستعمارية على الوطن العربي مائة وعشرين عاماً (1797-1920) إذ إن اكتمال الدولة العربية ورسم حدودها استغرق ما لا يقل عن نصف قرن ابتداءً من العام 1920 زامن هذا التشكيل الارتباط بالانتداب أو الاتفاقيات المقيدة لسيادتها مع الدولتين الاستعماريتين المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى بريطانيا وفرنسا،
فمثلاً استمر من العام 1921 إلى العام 1939 في العراق ومن العام 1922 إلى العام 1936 في مصر وفلسطين ومن العام 1922 إلى العام 1947 في الأردن ومن العام 1923إلى العام 1945 في سوريا ولبنان وأما البلدان العربية الأخرى فإنها استقلت بأوقات متفاوتة فليبيا في العام 1951 وتونس والمغرب في العام 1956 والسودان في العام نفسه والكويت والجزائر في العام 1962 واليمن الجنوبي في العام 1967 والإمارات وقطر والبحرين وعمان في العام 1971.
ونبين فيما يأتي مسيرة تطور أنظمة الحكم في الدول العربية:
1- ابتداء التأثر بالنظم الأوربية، بمحاولات الدولة العثمانية لبعض النصوص التشريعية، بالتأثر بتشريعات فرنسا وألمانيا خاصة بعد صدور دستور الدولة العثمانية عام 1839.
2- بزوغ الثورة العربية الكبرى نتيجة الحركة القومية العربية في إطار الصراع الذي عانت منه الإمبراطورية العثمانية، فطالبت بقيام الدولة العربية، التي تكونت آنذاك، بسن أحكام دستورية ذات نظام ملكي في كل من سوريا عام 1920 وفلسطين عام 1921 ومصر عام 1923 والعراق عام 1925 وشرق الأردن عام 1928، وعدد من القوانين في بلدان شبه الجزيرة العربية، وهي بلدان كانت على علاقة خاصة بالمملكة المتحدة أو تحت سيطرتها، وقامت دول أخرى ذات نظام جمهوري بسن قوانين جمهورية مثل قوانين دول دمشق، حلب، جبال الدروز، العلويين، اتحاد دول سوريا المستقلة، الدولة السورية، الدولة اللبنانية تحت الانتداب الفرنسي.
3- كانت البلدان العربية، تونس والمغرب وسوريا ولبنان تستلهم النصوص التشريعية الفرنسية، وتطبقها بصورة مباشرة الجزائر، وبالمقابل كان الدستور المصري مختلطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي بعد قيام النظام الجمهوري المأخوذ جزء منه من الدستور البلجيكي، ومثلما أثر الدستوران السوري والمصري في التشريعات الدستورية في العراق والأردن والكويت والبحرين وسلطنة لحج، استلهم الدستور السوداني عدا دستور 1973 ودستوري 1998 و2005 من التشريع الإنكليزي مع الأخذ بنظام الحكم الجمهوري.
4- نرى في بداية التشريع الدستوري العربي أن هناك محاولات ليبرالية، إلا أنها لم تؤتِ ثمارها لحين دخول عهد الثورات والحركات التصحيحية والانقلابات المضادة، واختلفت الأحكام الدستورية العربية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وصدرت أحكام مؤقتة وغير مؤقتة اتسمت بالتقلب وحاولت القيادات السياسية في كل البلدان العربية ذات النظام الجمهوري الأخذ بمبادئ شتى، اتخذت الأغلبية نظام الحزب الحاكم الوحيد دون أن تتقيد بالأنظمة الدستورية التقليدية عدا لبنان (برلمانية) أو رئاسية في حين تدرجت الدول العربية ذات النظام الملكي في النظام الدستوري الحديث وقامت المملكة المغربية على النظام المزيج في ظل التعددية السياسية.
أحدث التعليقات