رئيس التحريرأميرة عبدالله

العلاقات المصرية السورية تعود قريبا

العلاقات المصرية السورية تعود قريبا

بقلم : الدكتور محمد سيد احمد الخبير السياسي

العلاقات المصرية السورية ممتدة منذ آلاف السنين, وما من حاكم تولى حكم مصر وكانت لديه رؤية لأبعاد الأمن القومى المصري إلا وقام بتوطيد العلاقة مع سورية باعتبارها أحد أهم الجبهات الحافظة للأمن القومى المصري, فعلي مدار التاريخ كانت الجبهة الشرقية لمصر الممر الذى يعبر منه الغزاة وقبل عبورهم يكونون قد مروا على الشام واحتلوها قبل احتلالهم لمصر.

 فالهكسوس والمغول والحملات الصليبية قديما ثم الاحتلال الفرنسى والانجليزى والصهيونى حديثا كلهم أتوا لمصر من البوابة الشرقية, لذلك لا عجب أن يدرك أحمس وقطز وصلاح الدين ومحمد على وجمال عبد الناصر أهمية سورية فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى, فلا حرب ولا سلم بدون سورية ولا هزيمة إلا بضعفها ولا نصر إلا بقوتها, هذا هو درس التاريخ الذى استوعبه القادة العظام فى تاريخنا القديم والحديث.

 وإذا كان ديفيد بن جوريون مؤسس الكيان الصهيونى قد أكد منذ اللحظة الأولى لإعلان دولتهم المزعومة أنها لا يمكن أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هى ( المصرى والعراقى والسورى ) فهذا يعنى أنهم يدركون خطورة الوحدة العربية, لذلك حين جاء جمال عبد الناصر ليوحد بين الجيشين المصرى والسورى عبر مشروع الوحدة العربية أسرعت القوى الاستعمارية لإفشاله, ثم قامت بالانقضاض على جمال عبد الناصر وهزيمته واحتلال الأرض العربية فى سيناء والجولان, لذلك خاضت مصر وسورية آخر حروبهم المشتركة فى أكتوبر 1973 ضد العدو الصهيونى.

 لذلك لا عجب من إدراك القوى الاستعمارية الجديدة فى العالم والمتمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية أن نجاح مشروعهم التقسيمي والتفتيتى للشرق الأوسط لا يمكن أن ينجح إلا بقطع العلاقات المصرية – السورية, ومنذ مطلع السبعينيات وفى أعقاب حرب أكتوبر وهى تسعى بكل الطرق لتمزيق العلاقات العربية عموما والعلاقات المصرية – السورية على وجه الخصوص, وقد نجح المشروع الاستعمارى فى مسعاه عدة مرات, فعن طريق السلام المزعوم مع العدو الصهيونى انقطعت العلاقات المصرية – العربية, والمصرية – السورية لسنوات طويلة.

ولم تعد العلاقات إلا بغزو العراق للكويت ودخول مصر وسورية حرب تحرير الكويت جنبا الى جنب, واستمرت العلاقات المصرية – السورية منذ ذلك التاريخ وإن كان مشروعهم مختلفا الى حد كبير فمصر ظلت أسيرة لمشروع التبعية الذى بدأه الرئيس السادات, بينما فضلت سورية القبض على الجمر والتمسك بالمشروع القومى العروبي المقاوم, لكن ورغم ذلك ظلت العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية مستمرة وعميقة بحكم المشتركات الحضارية بين الإقليمين.

وهبت رياح الربيع العربي المزعوم على منطقتنا العربية واستغل العدو الأمريكى الصهيونى ومعه الرجعية العربية المتآمرة تاريخيا على مشروعات الوحدة أدواتهم التكفيرية التى تمكنت من الوصول لسدة الحكم فى مصر لتمزيق العلاقة بين الدولتين من جديد لإدراكهم بأن أى تعاون مشترك بين مصر وسورية وأى توحيد لجهود الجيشين يعنى هزيمة مشروعهم التقسيمي والتفتيتى, فخرج علينا الإرهابي محمد مرسي ليعلن الجهاد ضد سورية العربية فى سابقة لم تحدث فى التاريخ, ويرسل بعض أعضاء جماعته الإرهابية للحرب ضد جيشنا الأول الجيش العربي السورى, ويأمر بقطع العلاقات ورحيل السفير السورى بالقاهرة وعودة السفير المصرى من دمشق. 

وعلى الرغم من ذلك ظلت أجهزة الدولة المصرية خاصة المؤسسة العسكرية الوطنية على تواصل دائم مع دمشق وتنسيق وتعاون لم ينقطع يوما للتخطيط لمواجهة المشروع التقسيمى والتفتيتى بعيدا عن أعين أطراف المؤامرة وبعيدا عن أعين الرأى العام فى كلا البلدين, وبالفعل نجح الجيشين فى إفشال المؤامرة والإطاحة بالأدوات التكفيرية للمشروع من سدة الحكم فى مصر, ولإدراك القيادة السياسية بأن الحرب خدعة وأننا لابد من الاستمرار فى التنسيق سرا حتى نعبر الأزمة, ظلت العلاقات متوقفة ظاهريا عند حد التمثيل الدبلوماسي المنخفض حتى بعد رحيل محمد مرسي.

وللآسف يعتقد الكثيرون فى كلا البلدين أنه لا توجد علاقات نهائيا بين القاهرة ودمشق, وهذا بالطبع غير صحيح فالعلاقات المصرية – السورية لم تنقطع لحظة واحدة والسفارات لم تغلق يوما, فقط التمثيل الدبلوماسي يقف عند مستوى رئيس بعثة دبلوماسية, وخلال السنوات الخمس الأخيرة كانت تصريحات القيادة السياسية فى كلا البلدين تؤكد أن هناك علاقات مستمرة فى الخفاء, ثم كانت زيارة اللواء على المملوك لمصر ولقائه باللواء خالد فوزى قبل عامين وإعلان ذلك للرأى العام مؤشرا على أن العلاقات موجودة بالفعل.

ويوم الأحد الماضي كانت المفاجأة المدوية بدعوة البرلمان المصري لرئيس البعثة الدبلوماسية العربية السورية بالقاهرة السفير بسام درويش بحضور الجلسة العامة للمجلس هو ووفد من السفارة أثناء مناقشة بيان لجنة الشؤون العربية بالمجلس بشأن العدوان التركي على الأراضي العربية السورية, وأكد رئيس البرلمان المصري ” أن ما قامت به القيادة البربرية التركية من غزو للأراضي العربية السورية مخالف للقانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة, وموقف مصر ثابت ومؤيد لمواقف سورية سواء ممثلا فى السيد رئيس الجمهورية أو هنا فى مجلس النواب, حيث تقدمنا الى البرلمان الدولي والاتحاد الأوروبي ببيان عاجل إدانة لغزو الأراضي السورية “, وتعد تلك الدعوة الأولى من نوعها مؤشرا إيجابيا على احتمالات عودة العلاقات كاملة وعلنية.  

 خاصة وأن عودة العلاقات بشكل علني بين مصر وسورية فى اللحظة الراهنة ضرورة حتمية للحفاظ على الأمن القومى العربي, فالمعركة مشتركة سواء ضد المشروع الأمريكى – الصهيونى, أو ضد أدواته ( تركيا والرجعية العربية والجماعات التكفيرية الإرهابية ), والتى تعمل طوال الوقت على إشعال النيران داخل الأقطار العربية كما يحدث الآن فى لبنان وقبلها فى العراق والسودان والجزائر, وهى بلدان لم تشتعل فيها النيران فى بداية موجة الربيع العربي المزعوم, لذلك نرى أن عودة العلاقات المصرية السورية يمكن أن تكون بداية حقيقية للم الشمل العربي من جديد, اللهم بلغت اللهم فاشهد.              

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©