بقلم : تامر ابراهيم المحلل السياسي والخبير الأمني والعسكري
العمق الاستراتيجي مفهوم عسكري بحت يشير إلى المسافة الداخلية التي تفصل دولة ما من دول العالم عن الأقاليم المتقدمة التي يمكن الدفاع عنها والتي تمثل المجال الحيوي، أو المسافة ما بين خطوط الجبهة الأمامية ومركز الثقل في قلب الدولة أو المسافة التي تفصل بين الجبهة من ناحية والمناطق المأهولة بالسكان أو المدن المهمة أو المنشآت الصناعية الحيوية. ذلك هو باختصار مفهوم العمق الاستراتيجي.إن مفهوم العمق الاستراتيجي ينطوي على تقييم لهشاشة مركز الثقل في الدولة في مواجهة عدوها أو أعدائها في صورة نشوب حرب، إضافة إلى تقييم القدرات الدفاعية والهجومية التي تمتلكها هذه الدول أو تلك في امتدادها الجغرافي بما يمكنها من إعاقة تقدم العدو والانتقال إلى مرحلة الهجوم المعاكس لتحقيق التوازن.في الأعراف العسكرية، الدولة الأكثر عمقا استراتيجيا هي الدولة التي تملك التفوق مقارنة بالدولة الأخرى الأصغر مساحة والأقل عمقا استراتيجيا. العمق الاستراتيجي مرتبط أيضا بالعامل الجغرافي والذي يساهم في تقوية القدرات الدفاعية للدولة ويخلق تحديات كبيرة للدولة المعتدية ويعزز القدرة الطبيعية على الصمود وامتصاص الهجوم العسكري من وجهة نظر الدولة التي تكون في موقف دفاعي.في التاريخ العسكري تعتبر روسيا خير مثال كلاسيكي للدولة التي تتمتع بامتداد مساحتها الجغرافية وقد ظلت الدول المعادية لها تشن الحروب ضدها وتحاول الوصول إلى عمقها. يجب أن نتذكر الدور الكبير الذي لعبته موسكو وستالنغراد في إفشال تقدم نابليون بونابرت سنة 1812 إضافة إلى إفشال الهجوم العسكري الألماني في عهد الزعيم النازي أدولف هتلر وذلك إبان الحرب العالمية الثانية.تكبد الجيشان الفرنسي والألماني خسائر فادحة، الأمر الذي أجبرهما على التقهقر ومهد للهزيمة العسكرية. لا ننسى أيضا العوامل المناخية القاسية التي ساهمت في هزيمة جيشي نابليون بونابرت وأدولف هتلر. يتضح إذا الدور المهم الذي لعبه العمق الاستراتيجي في إلحاق الهزيمة بالفرنسيين والألمان.تعتبر إسرائيل بالمقابل خير مثال للدولة التي لا تمتلك عمقا استراتيجيا. من وجهة النظر العسكرية، تفتقر إسرائيل إلى المساحات والتضاريس الطبيعية المتنوعة وهو يجعلها نظريا على الأقل هشة جدا في مواجهة الدول المعادية لها.كان الهدف من حرب الأيام الستة التي شنتها إسرائيل يوم 5 يونيو 1967 السيطرة على مصادر المياه في مرتفعات الجولان السورية ودفع الخطوط العسكرية الدفاعية إلى نهر الأردن الذي يمثل عقبة طبيعية كبيرة عبر احتلال الضفة الغربية التي كانت تحت إدارة الأردن. لقد سعت إسرائيل إلى توسيع امتدادها الجغرافي حتى تعزز عمقها الاستراتيجي.عقب الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979 كثف الرئيس الباكستاني الجنرال ضياء الحق من مساعدته للأفغان من أجل طرد الغزاة السوفيت من أفغانستان كما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترغب في القضاء على عدوها اللدود في الحرب الباردة – الاتحاد السوفيتي. كانت باكستان تريد أن تعزز عمقها الاستراتيجي من الشمال الذي خسرته بسبب الغزو السوفيتي.تعاني باكستان من محدودية عمقها الاستراتيجي مقارنة بالدولة الهندية المجاورة. هذه المحدودية في العمق الاستراتيجي تجعل باكستان تعاني من الهشاشة في مواجهة الهند، الأكبر جغرافيا وعقما استراتيجيا والأكثر كثافة ديمغرافية. يقدر الخبراء أن العمق الاستراتيجي الذي تتمتع به الهند يصل إلى ثلاثة أضعاف الاستراتيجي الذي تتسم به باكستان المجاورة.يعتبر بعض الخبراء العسكريين أن أفغانستان قد توفر العمق الاستراتيجي اللازم الذي تفتقر إليه باكستان في صورة حدوث عدوان هندي مباغت. في صورة حدوث مواجهة يمكن للجيش الباكستاني أن يتراجع تكتيكيا ويعيد تنظيم صفوفه وبعد أن يحقق بعض التوازن ويشن هجوما معاكسا من أجل طرد العدو من المناطق التي احتلها وسيطر عليها.إن عوامل الجغرافيا – أي الميدان – والديمغرافيا والاستدامة تنطبق كثيرا على الحالة الباكستانية، بشرط أن تكون الحكومة السياسية في كابول صديقة ومتعاونة وداعمة.إضافة إلى العامل العسكري هناك طبعا بعد آخر يتعلق بالعمق الاستراتيجي إضافة إلى البعد السياسي الذي يشمل المعاهدات والتحالفات مع مختلف الدول الصديقة الأخرى، التجارية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمغرافية والسياسية والعسكرية.قد تكون هذه العوامل إقليمية أو عالمية وقد تكون في شكل استراتيجيات متداخلة ومتكاملة وعلاقات تعاون سياسي واقتصادي وعسكري بين الدول التي تواجه تهديدات متفاقمة وتجمع بينها مصالح وطنية. يجب أن ننوه في هذا الصدد إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي ما بين باكستان والصين، وهو ما أعطى باكستان عمقا استراتيجيا وسياسيا في الصين المتنامية بقوة.لروسيا تاريخ طويل في تعزيز عمقها الاستراتيجي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى على وجه الخصوص. أما إسرائيل فإنّ عمقها السياسي الاستراتيجي يوجد على بعد آلاف الأميال – أي في الولايات المتحدة الأمريكية. رغم أن الهند ليس لها حدود مشتركة مع أفغانستان فإنها تلعب دورا مهمًّا في أفغانستان. في الحقيقة فإنّ الهند تنتهج سياسة استباقية من أجل تجريد باكستان من العمق الاستراتيجي الذي تريده.رغم أن مفهوم العمق الاستراتيجي قد تم تكييفه في بناء استراتيجية عديد الدول غير أن المفهوم يكاد يقتصر على الجانب العسكري على وجه الخصوص وهي تبقى مصنفة ضمن المعلومات البالغة السرية. في أغلب الأحيان لا يتم التطرق إلى الحديث عن هذا المفهوم بشكل علني بل تتم مناقشته ضمن الدوائر الضيقة، وهذا أمر يدخل ضمن الأمن القومي للدول وسيادتها الوطنية. يذكر أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو قد ألف كتابا مهما بعنوان «العمق الاستراتيجي»* وقد عد من أهم الدراسات المتعلقة بالجغرافيا السياسية، وقد أسهم من خلال هذا الكتاب في التأسيس لنظرية العمق الاستراتيجي التركية.إن مفهوم العمق الاستراتيجي على قدر كبير من الأهمية، فكل دولة في العالم تريد أن تعزز عمقها الاستراتيجي بشكل يمكنها من تقية سيادتها الوطنية.
إن مفهوم العمق الاستراتيجي ينطوي على تقييم لهشاشة مركز الثقل في الدولة في مواجهة عدوها أو أعدائها في صورة نشوب حرب، إضافة إلى تقييم القدرات الدفاعية والهجومية التي تمتلكها هذه الدول أو تلك في امتدادها الجغرافي بما يمكنها من إعاقة تقدم العدو والانتقال إلى مرحلة الهجوم المعاكس لتحقيق التوازن.
في الأعراف العسكرية، الدولة الأكثر عمقا استراتيجيا هي الدولة التي تملك التفوق مقارنة بالدولة الأخرى الأصغر مساحة والأقل عمقا استراتيجيا. العمق الاستراتيجي مرتبط أيضا بالعامل الجغرافي والذي يساهم في تقوية القدرات الدفاعية للدولة ويخلق تحديات كبيرة للدولة المعتدية ويعزز القدرة الطبيعية على الصمود وامتصاص الهجوم العسكري من وجهة نظر الدولة التي تكون في موقف دفاعي.
في التاريخ العسكري تعتبر روسيا خير مثال كلاسيكي للدولة التي تتمتع بامتداد مساحتها الجغرافية وقد ظلت الدول المعادية لها تشن الحروب ضدها وتحاول الوصول إلى عمقها. يجب أن نتذكر الدور الكبير الذي لعبته موسكو وستالنغراد في إفشال تقدم نابليون بونابرت سنة 1812 إضافة إلى إفشال الهجوم العسكري الألماني في عهد الزعيم النازي أدولف هتلر وذلك إبان الحرب العالمية الثانية.
تكبد الجيشان الفرنسي والألماني خسائر فادحة، الأمر الذي أجبرهما على التقهقر ومهد للهزيمة العسكرية. لا ننسى أيضا العوامل المناخية القاسية التي ساهمت في هزيمة جيشي نابليون بونابرت وأدولف هتلر. يتضح إذا الدور المهم الذي لعبه العمق الاستراتيجي في إلحاق الهزيمة بالفرنسيين والألمان.
تعتبر إسرائيل بالمقابل خير مثال للدولة التي لا تمتلك عمقا استراتيجيا. من وجهة النظر العسكرية، تفتقر إسرائيل إلى المساحات والتضاريس الطبيعية المتنوعة وهو يجعلها نظريا على الأقل هشة جدا في مواجهة الدول المعادية لها.
كان الهدف من حرب الأيام الستة التي شنتها إسرائيل يوم 5 يونيو 1967 السيطرة على مصادر المياه في مرتفعات الجولان السورية ودفع الخطوط العسكرية الدفاعية إلى نهر الأردن الذي يمثل عقبة طبيعية كبيرة عبر احتلال الضفة الغربية التي كانت تحت إدارة الأردن. لقد سعت إسرائيل إلى توسيع امتدادها الجغرافي حتى تعزز عمقها الاستراتيجي.
عقب الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979 كثف الرئيس الباكستاني الجنرال ضياء الحق من مساعدته للأفغان من أجل طرد الغزاة السوفيت من أفغانستان كما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترغب في القضاء على عدوها اللدود في الحرب الباردة – الاتحاد السوفيتي. كانت باكستان تريد أن تعزز عمقها الاستراتيجي من الشمال الذي خسرته بسبب الغزو السوفيتي.
تعاني باكستان من محدودية عمقها الاستراتيجي مقارنة بالدولة الهندية المجاورة. هذه المحدودية في العمق الاستراتيجي تجعل باكستان تعاني من الهشاشة في مواجهة الهند، الأكبر جغرافيا وعقما استراتيجيا والأكثر كثافة ديمغرافية. يقدر الخبراء أن العمق الاستراتيجي الذي تتمتع به الهند يصل إلى ثلاثة أضعاف الاستراتيجي الذي تتسم به باكستان المجاورة.
يعتبر بعض الخبراء العسكريين أن أفغانستان قد توفر العمق الاستراتيجي اللازم الذي تفتقر إليه باكستان في صورة حدوث عدوان هندي مباغت. في صورة حدوث مواجهة يمكن للجيش الباكستاني أن يتراجع تكتيكيا ويعيد تنظيم صفوفه وبعد أن يحقق بعض التوازن ويشن هجوما معاكسا من أجل طرد العدو من المناطق التي احتلها وسيطر عليها.
إن عوامل الجغرافيا – أي الميدان – والديمغرافيا والاستدامة تنطبق كثيرا على الحالة الباكستانية، بشرط أن تكون الحكومة السياسية في كابول صديقة ومتعاونة وداعمة.
إضافة إلى العامل العسكري هناك طبعا بعد آخر يتعلق بالعمق الاستراتيجي إضافة إلى البعد السياسي الذي يشمل المعاهدات والتحالفات مع مختلف الدول الصديقة الأخرى، التجارية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمغرافية والسياسية والعسكرية.
قد تكون هذه العوامل إقليمية أو عالمية وقد تكون في شكل استراتيجيات متداخلة ومتكاملة وعلاقات تعاون سياسي واقتصادي وعسكري بين الدول التي تواجه تهديدات متفاقمة وتجمع بينها مصالح وطنية. يجب أن ننوه في هذا الصدد إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي ما بين باكستان والصين، وهو ما أعطى باكستان عمقا استراتيجيا وسياسيا في الصين المتنامية بقوة.
لروسيا تاريخ طويل في تعزيز عمقها الاستراتيجي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى على وجه الخصوص. أما إسرائيل فإنّ عمقها السياسي الاستراتيجي يوجد على بعد آلاف الأميال – أي في الولايات المتحدة الأمريكية. رغم أن الهند ليس لها حدود مشتركة مع أفغانستان فإنها تلعب دورا مهمًّا في أفغانستان. في الحقيقة فإنّ الهند تنتهج سياسة استباقية من أجل تجريد باكستان من العمق الاستراتيجي الذي تريده.
رغم أن مفهوم العمق الاستراتيجي قد تم تكييفه في بناء استراتيجية عديد الدول غير أن المفهوم يكاد يقتصر على الجانب العسكري على وجه الخصوص وهي تبقى مصنفة ضمن المعلومات البالغة السرية. في أغلب الأحيان لا يتم التطرق إلى الحديث عن هذا المفهوم بشكل علني بل تتم مناقشته ضمن الدوائر الضيقة، وهذا أمر يدخل ضمن الأمن القومي للدول وسيادتها الوطنية. يذكر أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو قد ألف كتابا مهما بعنوان «العمق الاستراتيجي»* وقد عد من أهم الدراسات المتعلقة بالجغرافيا السياسية، وقد أسهم من خلال هذا الكتاب في التأسيس لنظرية العمق الاستراتيجي التركية.
إن مفهوم العمق الاستراتيجي على قدر كبير من الأهمية، فكل دولة في العالم تريد أن تعزز عمقها الاستراتيجي بشكل يمكنها من تقية سيادتها الوطنية.
أحدث التعليقات