بقلم الدكتور :عادل عامر… دكتوراه في القانون العام
إن العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري وأخطره وأكثره انتشاراً في زمننا هذا, وبالرغم من إننا لم نحصل بعد على دراسة دقيقة تبين لنا نسبة هذا العنف الأسري في مجتمعنا إلا أن أثاره بدأت تظهر بشكل ملموس على السطح مما ينبئ إن نسبته في ارتفاع وتحتاج الى تحرك سريع وجدي من كافة إطراف المجتمع لوقوف هذا النمو وإصلاح ما يمكن إصلاحه. تعد الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع, والمؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل, كحرمانه من التعليم، أو حقه في أن يكون له اسم مناسب، أو إهانته، أو التقليل من كرامته، أو إيذائه بدنيا أو معنويا كضربه والإساءة إليه.
ضرب الأطفال له تأثيرات سلبية عليهم فاستخدام الضرب كوسيلة للتنشئة الاجتماعية يدمر نفوس أطفالنا ويعلمهم الكذب والعدوانية لأن العقاب البدني المتكرر ينمي داخل الطفل الإحساس بالخضوع وانعدام الشخصية أو يجعله يقوم بالتعدي على الغير وخطورة هذا العقاب البدني تكمن في مدى قسوته بصورة قد تفوق قدرة الطفل على احتماله فتجعله ضحية والدين عصبيين غير قادرين على التحكم في انفعالاتهم فيقومان بالتنفيس عن هذه الانفعالات في صورة ضرب أبنائهما. ليس بالضرب نقوم سلوكيات أطفالنا ولكن هناك طرقا أفضل في العقاب الذي يقود لتقويم سلوكهم
إنه يجب على أحد الوالدين إذا غضب من طفله لارتكابه خطأ ما أن يمتنع عن التحدث معه فلا يرد عليه لمدة يمكن أن تصل إلى نصف اليوم لأن هذا العقاب يمثل حرمان هذا الطفل من السعادة طوال هذه المدة ويعتبر الحرمان من السعادة من أشق ألوان العقاب على نفوس الصغار وهناك أيضا نتائج إيجابية لأنواع أخرى من العقاب مثل الحرمان من النقود أو مشاهدة التلفاز أو الحرمان من بعض الامتيازات الأخرى
لكن يجب في الوقت نفسه أن تكون الغاية من هذا العقاب تعديل السلوك دون تحقير الطفل أو إثارة خوفه بحيث يدرك أن هذا العقاب موجه إلى السلوك الخاطئ وليس له كإنسان وينبغي أن ينتهي إحساس الوالدين بالغضب بعد وقوع العقاب وأن يعامل الطفل بصورة طبيعية بعد ذلك كما ينبغي تجنب التهديد المخيف بالعفاريت وغيرها من الأشياء المرعبة فهذا يعتبر من الأخطاء الجسيمة ولعل كثيرا من الأمراض الخطيرة التي تظهر في الكبر يكون سببها مشكلات صغيرة وبسيطة حدثت في الطفولة.
وقد انتبه القانون في العهود الحديثة لهذه الظاهرة التي تمس أضعف حلقات المجتمع، فوضع لها ما يناسبها من نصوص سواء في القانون الدولي، أو في القوانين المقارنة، أو القوانين والدساتير الداخلية للدول. ذلك بغرض الحد من هذه الظاهرة، أو إقصاءها، وتغيير نظرة الأسر لفرض مجتمع الطاعة على أطفالهم بوسائل مختلفة، تبدأ بحرمانهم من وسائل الترفيه، وصولا إلى تأديبهم جسديا.
وان للبيئة الأسرية أهمية خاصة في تشكيل سلوكيات الأطفال. وبما إن العنف يمثل السمة البارزة التي تحيط بالطفل فإن هذه الدراسة تهدف الى إلقاء الضوء على مدى تعرض الأطفال للعنف داخل الأسرة, وما صور هذا العنف وانعكاساته على شخصية الأطفال, وما مدى علاقة هذا العنف ببعض المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
والامن الاجتماعي عامل فاعل في عملية التنمية وفى تحسين نوعية الحياة وفى تكوين الائتمان الصادق غير المزيف للوطن وفى تنمية البشر وفى تعظيم مردود الاصلاح الاقتصادي، مما يجعل الفرد أكثر قدرة على المشاركة والبذل والعطاء وبذلك فقد تأكد ان ترسيخ قواعد الامن الاجتماعي في أي مجتمع أصبح دعامة اساسية وشرطا جوهريا من شروط تحقيق الامان الاجتماعي بوجه خاص والتنمية الاجتماعية بوجه عام.
في كل يوم وفي كل بلد, هناك أطفال يشهدون ممارسات عنيفة أو يعانون منها والعنف ضد الأطفال يتخطى حدود الثقافة والطبقة والتعليم ويحدث في بيئات مختلفة , بعض إشكال هذا العنف مسموح بها من الناحية القانونية والاجتماعية لأنها قد تكون راسخة في الممارسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع, مما قد تترك عواقب سلبية مدمرة لشخصية الأطفال وسلامتهم وصحتهم النفسية .
إن العنف ظاهرة سلوكية قديمة عرفتها المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور, فقد ارتبطت بتاريخ المجتمعات منذ زمن هابيل وقابيل, والعنف بوصفة ظاهرة سلوكية سواء في بعدها الفردي أو الاجتماعي فعل يتدرج تحت أنماط السلوك العدواني وغير السوي .
فالعنف هو كل تصرف يؤدي الى إلحاق الأذى بالآخرين سواء كان الأذى جسدياً أو مادياً أو معنوياً , وخاصة نحن نعيش وقتنا الحاضر في زمن العولمة الذي يتسم بالعديد من الخصائص والظواهر والصراعات التي تعد من أكثر المشكلات التي تستدعي الى الدراسة والتحليل .
من المآسي أن تكتشف بعدما عاقبت طفلا أنه مظلوم أو أنك مخطئ في هذا العقاب، إذا يجب قبل العقاب التأكد من الخطأ وسماع مبررات الطفل لهذا الخطأ الذي ارتكبه. كذلك يجب أن تكون كمية العقاب مساوية أو مقاربة للخطأ فالخطأ الكبير عقابه كبير .. إلخ. ونوعية العقاب موضوع في غاية الأهمية فلا يقتصر العقاب على الضرب فقط ولكن أن يحرم الطفل بكثير من الضرب حيث إن الضرب وقتي يشفي الوالد ولا يفيد الابن.
كذلك يجب مراعاة الوقت بين الخطأ والعقاب فكلما طال الوقت بينهما نسي الطفل الخطأ وتذكر العقاب ويجب الربط بين الخطأ والعقاب وأن تكون المدة الزمنية بينهما قصيرة ليكون أثرها كبير.
الطفل الصغير يجب أن يأخذ حظه من التعليم ويجب عدم إجباره على العمل مبكرا لأن في هذا إهمال للدراسة وتضييع بكل أسف لمستقبل هذا الطفل الواعد لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه. وغصون أيضا يجب أن تكون درسا واضحا لكل الجهات لإيجاد الحماية الاجتماعية لكل محتاج لها.
ان الحوادث السابقة تؤشر الى وجود خلل بنيوي في هيكلية المجتمع العربي، يجب ان تولى اهتماما بالغا من قبل قادة الرأي والمؤسسات التربوية الحكومية والاهلية ومنظمات المجتمع المدني. فالاعتداءات الشنيعة على الاطفال
والتي ظهرت على العلن ماهي الا قطرة في بحر الانتهاكات اليومية المتكررة، فقسم كبير منها بقي طي الكتمان ولم يخرج خارج جدران البيوت التي حدثت فيها الجريمة وقسم اصغر انتهى في قسم الشرطة او المحكمة والقسم المتناهي الصغر ما انتشر على الوسائل التواصل الاجتماعي وتلقفته وسائل الاعلام، وهذا فقط ما أنتهى الى علمنا وعرفنا به.
ويبدو ان كمية الجفاء والقسوة المتفشية في مجتمعاتنا تسللت من التعامل اليومي في الشارع الى داخل البيوت وبين الاسر نفسها، لتؤدي الى غلو في التعنيف والتأديب لدرجة التعذيب والتلذذ به، وأنتجت هذه الحالة ضحايا لا حول لهم ولا قوة، ومجرمين يدفعهم الندم الى انكار الجريمة.
ان العنف ونراه ونسمع عنه في البيوت والمدارس، في الوقت الذي ينبري من يتصدى له، هناك بالمقابل من يحاول التماهي معه وايجاد سبل شرعية وقانونية لتبريره والقبول به. وهذا في حد ذاته خطأ،
لان العنف مهما كان صغيرا وغير مؤذي ظاهريا الا ان له آثارا كارثية ولو بعد حين. فالجريمة وانتشارها والعنف الاسري المتعاقب من الاب الى الابن ومن الاخير الى أبنه حين يكبر، وحتى الارهاب وتوجهاته المدمرة، كلها من نتاج العنف المسكوت عنه او المبرر بصفة التأديب والتعليم.
لذلك هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على المجتمع ككل وعلى الاباء ورجال التربية وقادة الرأي واصحاب القرار السياسي والديني؛ فمثلا على الاباء تقع مسؤولية انتهاج اسلوب التربية الصحيح والصحي والخالي من أي شكل من أشكال العنف واستبدالها بعقوبات اخرى كالحرمان وقطع المصروف وغيرها.
اما رجال التربية فهم من يتعامل بصورة مباشرة مع المشاكل التي يأتي بها الطفل من البيت، ومن غير المعقول ان يزيد المعلم الطين بلة ويمارس الفعل العنيف الذي مورس على الطفل في بيته ومن قبل ذويه. أما قادة الرأي ففي إمكانهم تسليط الضوء على سلبيات العنف الاسري وما يؤدي اليه من تحطيم شخصية الطفل وتشتت الاسرة وبالتالي انتاج افراد سلبيين داخل المجتمع، يكونوا عالة عليه.
اما اصحاب القرار السياسي فيتوجب عليهم السعي لإقرار القوانين التي تجرم هكذا افعال، وايجاد تشريعات تلزم كل رجل وامرأة ممن ينوون الزواج وتكوين اسرة بكفالة اطفالهم وتربيتهم التربية القويمة وتوفير سبل العيش الكريمة لهم.
اما رجال الدين، وهم اصحاب كلمة مسموعة في مجتمعاتنا العربية، فعليهم وعظ الناس وتذكيرهم بالتوجيهات الدينية التي تؤكد على وجوب رعاية الاسر، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والمعاملة الحسنة للأطفال، فهم بالتالي رجال الغد وبناة الاوطان والمدافعين عنها حين الملمات والشدائد.
أحدث التعليقات