بهـــدوء… من ذاكرة التاريخ
- اخبار , برلمان وسياسة واحزاب , شئون عمالية وعربية ودولية
- 01 سبتمبر 2019
- d M Y
- 2659 مشاهدة
القيادي العمالي صلاح الانصاري يكتب :أمين عز الدين مؤرخ الحركة النقابية المصرية
اسمه الكامل: أمين عز الدين علي دحروج, من أبناء ميت ياعيش مركز ميت غمر دقهلية, ولد في1921/12/8, تخرج في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول( القاهرة) قسم فلسفة1945
وهي السنة التي انتهت فيها الحرب العالمية الثانية, بما خلفته من تدهور في الأخلاق, وازدياد البطالة, وارتفاع الأسعار, وما صاحب ذلك من آمال عريضة لدي الطبقات العاملة في أن تتحسن الأحوال وأن يتولي زمام الأمر في مصر حكم وطني يستطيع النهوض بها, وانتشالها مما تعاني من أزمات.وبدأ أمين يبحث عن عمل يتفق مع اتجاهاته وشخصيته.
التحق بمصلحة العمل عام1948, وكانت مصلحة تتبع وزارة الشئون الاجتماعية, وكان أول ما قابله هو وأقرانه عند بدء عمله وجود أعداد كبيرة من المصريين الذين استغنت عنهم القوات البريطانية بعد انتهاء الحرب, والذين وصل عددهم إلي223200 عامل انضموا إلي جيش العاطلين, وكانت قد شكلت لجان لتسجيل هؤلاء العاطلين والسعي إلي ترشيحهم لأعمال مناسبة, وشارك أمين في هذا العمل, وأظهر نشاطا وحماسا منقطع النظير, الأمر الذي لفت إليه الأنظار, فاختاره الدكتور حسن إسماعيل مدير عام المصلحة سكرتيرا فنيا له.ومن حسن حظه, ولذكائه وحبه للدراسة والبحث, حصل علي منحة لدراسة شئون العمل والعمال في بريطانيا, حيث أمضي ثلاث سنوات يتزود بالعلم والمعرفة, وقد استفاد كثيرا من فترة اقامته في بريطانيا, فقد أتاحت له التمكن من اللغة الانجليزية, فضلا عن الوقوف عن كثب علي أحوال العمل والنقابات في دولة كانت مهد الحركة العمالية. وعندما عاد إلي مصر, وجد مجموعة من قادة الحركة العمالية المصرية آنذاك, وعلي رأسها فتحي كامل رئيس نقابة عمال الشركة الشرقية للدخان والسجاير بالجيزة( وعضو المجلس الاستشاري الأعلي للعمل) تسعي إلي إنشاء اتحاد عام للعمال, ينظم صفوفها, ويجمع شملها, ويدافع عن مصالحها, وكانت بعض الدوائر تقف بالمرصاد أمام هذا المسعي, وتعمل علي إجهاضه, وأراد فتحي كامل أن يسير في الاتجاه الصحيح, ويبتعد عن الوقوع في الزلل, أو إثارة الشبهات, فكتب إلي مدير عام مصلحة العمل راجيا الموافقة علي عقد جمعية تأسيسيه لتكوين اتحاد عام للعمال, وجرت اتصالات متواصلة بين العمال ومصلحة العمل بصفتها الجهاز الحكومي المختص, أدت إلي ايجاد علاقات اتسمت بالمودة بين فتحي كامل وبين السكرتير الفني لرئيس المصلحة وهو أمين عز الدين. وكانت هذه هي البداية التي فتحت أبواب علاقات ود حميمة بين أمين وبين الحركة العمالية ورجالاتها, وكان من علامات تدعيم هذه العلاقة, ونمو الثقة المتبادلة, أن فتحي كامل وزملاءه النقابيين أسندوا إلي أمين عز الدين مهمة إعداد مشروع لائحة الاتحاد. وجاءت حكومة الوفد إلي الحكم في12 يناير1950 وتحت الضغط الشعبي المطالب بالاستقلال وطرد القوات الأجنبية من القاعدة البريطانية في منطقة القنال, أعلن رئيس الحزب مصطفي النحاس في8 أكتوبر1951 إلغاء معاهدة1936 من جانب مصر, وهي المعاهدة التي كانت تسمح لقوات الاحتلال البريطاني بالبقاء في مصر وإنشاء قاعدة لها في منطقة القنال, وترتب علي هذا الإعلان خروج جماعي تلقائي للعمال المصريين المشتغلين بالمعسكرات البريطانية في منطقة القنال, ومرة أخري قامت مصلحة العمل بتسجيلهم والبحث عن أعمال لهم. وكانت محاولات العمال لتأسيس اتحاد عام للعمال مازالت مستمرة, وبعد محاولات مضنية نجحت في الحصول علي موافقة مصلحة العمل علي ذلك, وتحدد يوم27 يناير1952 موعدا لعقد المؤتمر التأسيسي, ولكن جاءت الرياح بما لا يشتهي السفن. ففي يوم1952/1/25 وقعت معركة الإسماعيلية بينالشرطة المصرية والجيش الانجليزي وفي26 يناير1952 وقع حريق القاهرة, ولم يكن من الميسور ـ والحال كذلك ـ عقد المؤتمر التأسيسي يوم27 يناير في هذا الجو المتوتر. وفي كل هذه الخطوات والإجراءات كان من بين العاملين في مصلحة العمل اثنان يؤمنان بالحرية النقابية والسلام الصناعي (والسلام الصناعى هو الأمن والاستقرار داخل المصنععن طريق الاتفاقيات الجماعية بين طرفي الانتاج, والتي تتم بواسطة نظام ناجح للمفاوضة والتوفيق والتحكيم. ) والمباديء الاشتراكية, ويتعاطفان مع العمال, ويعملان علي تعبيد الطرق وتذليل الصعاب, ومساعدة الحركة العمالية للوصول إلي غاياتها وتحقيق مطالبها, هما: عبدالمغني سعيد سلامة وأمين عز الدين دحروج. وقامت الثورة في23 يوليو1952, ومرت العلاقات بين حركة الجيش وقادة العمال بحالات جذب وشد, بين صعود وهبوط, تتسم بالمودة حينا وبالجفاء أحيانا. ووصلت العلاقات إلي توتر شديد بعد إضراب كفر الدوار الذي انتهي إلي إعدام اثنين من العمال. وقد أثمرت الاتصالات واللقاءات بعد تلك الأحداث, وأدت إلي تشكيل لجنة برئاسة الدكتور محمد فؤاد جلال وزير الشئون الاجتماعية( ومن بعده الدكتور عباس عمار) وعضوية ممثلين من أطراف العمل الثلاثة( الحكومة والعمال وأصحاب الأعمال) للنظر في مراجعة قوانين العمل الأساسية وتعديلها في ضوء كثير من المطالب العمالية, وأسفرت مناقشات اللجنة عن إصدار قوانين العمل الثلاثة في ديسمبر1952, وهي القوانين أرقام:317 بشأن عقد العمل الفردي,318 بشأن التوفيق والتحكيم,319 بشأن نقابات العمال, والتي أعطت مزايا جديدة للعمال, ونصت علي جواز تأسيس اتحاد عام للعمال. وقام أمين عز الدين بدور أساسي في تزويد اللجنة ـ خاصة الجانب العمالي ـ بما تحتاج إليه من بيانات, وتقديم مايتراءي له من اقتراحات, كما كانت بصمات عبدالمغني سعيد واضحة فيما توصلت إليه اللجنة من نتائج. بعد صدور هذه القوانين بدأت الحركة العمالية تعيد تنظيم صفوفها, وتعاود مسيرتها ونشاطها, وتتطلع إلي تأسيس اتحاد عام للعمال وهي أكثر حماسا وإصرارا. وهذا في الوقت الذي قامت فيه حركة الجيش ـ من بين ما قامت به ـ بحل الاحزاب. ورغبة في ملء الفراغ بعد حل الأحزاب أنشأت حركة الجيش هيئة التحرير وتولي شئون العمال في الهيئة مكتب للعمال يشرف عليه الصاغ أحمد عبدالله طعيمة.. الذي بدأ يباشر الكثيرمن اختاصات مصلحة العمل.. وترتب علي ذلك أن ترك أمين عز الدين مكانه, وأصبح مديرا لإدارة جديدة هي إدارة التوجيه والتثقيف النقابي, فتعززت علاقاته أكثر فأكثر بالقيادات النقابية علي مختلف المستويات, كما قام بتنظيم دورات تثقيفية للقيادات العمالية وإلقاء محاضرات بها, ومن خلال هذا العمل نادي بضرورة الاستجابة للمطلب العمالي في إنشاء المؤسسة الثقافية العمالية ـ كما هو حادث في الدول المتقدمة ـ بديلا عن الدورات التي تنظمها مصلحة العمل. وقد تأسست هذه المؤسسة في وقت لاحق, وأصبح أمين مديرا لها. وظهر من قادة النقابات علي الساحة وقتها (محمد محمد العقيلي وشهرته كامل العقيليرئيس نقابة سائقي سيارات الأجرة في القاهرة) وكذا الصاوي أحمد (الصاويرئيس نقابة عمال النقل المشترك) وانضم هذان إلي القيادات الأخري, وأخذوا يجرون الاتصالات لعقد الجمعية التأسيسية للاتحاد العام, بعد أن سمح لهم قانون النقابات الجديد بذلك, إلا ان القيادة السياسية الرسمية التي كان يمثلها آنذاك اليوزباشي محمد وفاء حجازي كانت تدعو إلي التريث, وتتخذ موقفا حذرا من قيام اتحاد عام للعمال, فقد كانت تريد التأكد من اتجاهات العمال, وترغب في أن تكون قيادات الاتحاد من شخصيات موالية لها. من هنا تشكل في أواخر عام1953 ما سمي بـ المؤتمر الدائم لنقابات عمال مصر برئاسة فتحي كامل وعضوية الأسماء التي سبق ذكرها, وذلك كخطوة تحضيرية لقيام الاتحاد العام للعمال بعد ذلك.وبفضل جهود العمال, وتجاوب نظام الحكم القائم, تحقق للعمال أمل طالما كانت أنفسهم تهفو إليه, وتتمني تحقيقه, عندما صدر القانون رقم419 لسنة1954 بإنشاء صندوق للتأمين والادخار للعمال. عند هذا تنفس أمين عز الدين الصعداء, وشعر بأن مساعيه في سبيل تحقيق المطالب الأساسية للعمال قد تكللت بالنجاح, وبدا قانعا راضيا بما تحقق للطبقة العاملة من مكاسب, ومن انطلاقها حرة من براثن الاستغلال, وقبل عرضا للسفر إلي الكويت, حيث أمضي هناك ثلاث سنوات, تمكن فيها من إنشاء إدارة للشئون الاجتماعية والعمل ـ لأول مرة ـ في دولة الكويت, وفي فترة غيابه, كان المؤتمر التأسيسي لاتحاد العمال العرب قد انعقد في دمشق يوم24 مارس1956, واختير فتحي كامل أمينا عاما له, واتفق علي أن تكون القاهرة مقرا للاتحاد. كما انعقد المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام للعمال ـ بعد جهود متواصلة من القيادات النقابية ـ وتم في30 يناير1957 اختيار قادة هذا الاتحاد, وهم: أنور سلامة رئيسا, وأحمد فهيم نائبا للرئيس, وكان أنور سلامة رئيسا لنقابة عمال البترول وأحمد فهيم رئيسا لنقابة عمال الغزل والنسيج. ولم يتوقف نشاط أمين عز الدين بعد ذلك, بل كان شعلة من النشاط, يمتليء نشاطا وحماسا وإصرارا, فكان كالنهر المتدفق في أيام الفيضان, وتفرعت اهتماماته داخليا وخارجيا, عماليا وسياسيا, وقد أمضي سنوات في بغداد ملحقا عماليا بسفارة مصر, ولم يقتصر نشاطه علي الجانب العمالي, وإنما كان يهتم بكل ما من شأنه توثيق عري الصداقة بين الثورة المصرية والثورة العراقية بقيادة عبدالسلام عارف, وكانت جهوده موضع تقدير من الجانب العراقي, إلي أن وقع انقلاب تولي فيه عبدالكريم قاسم السلطة في العراق, فاتخذ موقفا غير ودي من الهيئة الدبلوماسية المصرية, وشدد عليها الخناق, فغادر أمين ـ حينذاك ـ العراق عائدا إلي القاهرة. كما أمضي سنة في باريس مستشارا عماليا بالسفارة المصرية, وسنة في( طنجةبالمغرب) ممثلا لمنظمة العمل العربية هناك. أما في الميدان الداخلي ـ فقد كان يعتبر بحق مؤرخ الطبقة العاملة المصرية, حيث أصدر عدة كتب مهمة منها: شخصيات ومراحل عمالية, الوثائق التاريخية للحركة العمالية, تاريخ الحركة النقابية لعمال النسيج, تاريخ الطبقة العاملة المصرية, وفي رأينا أن هذا الكتاب الأخير هو أهم مؤلفاته جميعا, لأنه كتاب كبير يقع في أكثر منألف صفحة, يسجل كل التفاصيل بدقة متناهية عن تاريخ الطبقة العاملة المصرية منذ نشأتها حتي عام1970 وعلاوة علي ماسبق أصدر كتابا عن أول داعية للاشتراكية في مصر( من وجهة نظره) وهو: مصطفي المنصور, وعلي غير المألوف, فإن آخر كتاب قدمه, لم يكن تأريخا للحركة العمالية وإنما كان قصة بعنوان الفيلق تدور حول فيلق للعمال المصريين الذين انتزعوا من قراهم عنوة إبان الحرب العالمية الأولي واستخدمهم الانجليز في أعمال لهم. وللأسف فإن المجال لا يتسع لعرض فصول هذه القصة, وإن كانت قد حظيت بتقريظ وثناء من عدد كبير من الكتاب والمفكرين عند نشرها. بعد الاستجابة لطلبه القديم بتأسيس مؤسسة للثقافة العمالية( وهو ما كان يتطابق مع مطالب القيادات العمالية) فإنه أصبح بعد تأسيسها مديرا عاما لها.وكانت أعماله في إدارتها تتسم بالدقة والتنظيم المتقن, واستطاع استقطاب أفضل العناصر لإلقاء المحاضرات, وتمكنت المؤسسة من تخريج أعداد متتالية من النقابيين الواعين بحقوقهم وواجباتهم. وعندما تأسس الاتحاد الاشتراكي, كان أمين عز الدين هو الساعد الأيمن لعبدالمجيد فريد أمين العاصمة, وكان هو المسئول عن التثقيف السياسي بالاتحاد, كما كان يتولي الإشراف علي معهد الدراسات الاشتراكية, ولعب دورا مهما في تنمية الفكر السياسي للقيادات المنتخبة في مصر, والذين يقومون بمسئولية قيادية في وحداتهم.وكان أمين عز الدين مديرا عاما للعلاقات الدولية بوزارة القوي العاملة, وظل في هذا المنصب لسنوات حقق فيها نجاحا كاملا, إلي أن رشح في السبعينيات من القرن الماضي مستشارا لمجلس التخطيط القومي بدولة الكويت, وهكذا عاد مرة أخري للعمل سنوات في الكويت, وظل هناك إلي أن استقرت الأمور, واتضحت سياسات مجلس التخطيط, ووجدت طريقها إلي التنفيذ, عندما عاوده الحنين إلي الوطن, وإلي رعاية بناته , وأحيل إلي المعاش في أواخر عام1981, فتفرغ للبحث والاستغراق في التفكير وكتابة المصنفات, إلي أن توفي يوم2001/1/3, وبموته خسرت مصر رائدا عماليا, ومؤرخا نقابيا, واشتراكيا يسعي إلي نبذ جميع صور الظلم والاستغلال.وقد كرمته دار الخدمات النقابية بعد وفاته.
أحدث التعليقات