رئيس التحريرأميرة عبدالله

دور التشريعات القانونية وأثرها على تحقيق التنمية المستدامة

دور التشريعات القانونية وأثرها على تحقيق التنمية المستدامة

الدكتور عادل عامر دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب… وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان.. مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية.. مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا… مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية…. مستشار تحكيم دولي.. محكم دولي معتمد…. خبير في جرائم امن المعلومات… نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية…. نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

مقدمة: –

إن التنمية إذا لم تدرج بكيفية مدروسة كاستخراج المشاريع للموارد الطبيعية الذي يحقق لها فوائد هامة كالتشغيل وإقامة البنية التحتية والخدمات الاجتماعية قد تؤدي إلى التبعية للمساعدات الخارجية، والذي ينجر عنها متاعب للأجيال الحاضرة والمستقبلية وذلك باستنزاف ثرواتهم. ويساهم علم الاقتصاد في توجيه السياسة الاقتصـادية.

فهو لا يقترح أهـــدافا سياسية أو اجتماعية، ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة الاقتصادية المتكاملة التي تلائم تحقيق أهداف سياسية واجتماعية معينة.

 ويبين مدى التناسق بين الأهداف وإمكانية تحقيقها من الناحية الاقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه الأهداف وأفضل هذه الطرق. ظهر مفهوم التنمية المستدامة بقوة في أواخر القرن الماضي ليحتل مكانة هامة لدى الباحثين والمهتمين بالبيئة وصناع القرار ويعود هذا الاهتمام إلى الضغوط المتزايدة على الإمكانات المتاحة في العالم المتقدم والمتخلف لكن في حقيقة الأمر كان النمو الديمغرافي والتنمية الاقتصادية من جهة واستعمال الموارد البشرية من جهة أخرى أهم الظواهر التي لازمت البشرية في تطورها عبر الزمن.

يعد أسلوب النظم أو المنظومات شرطا أساسيا لإعداد وتنفيذ خطط التنمية المستدامة، وذلك راجع إلى أن البيئة الإنسانية هي نظام فرعي من النظام الكلي، ولهذا تعمل التنمية المستدامة من خلال هذا الأسلوب إلى تحقيق النظم الفرعية شكل يؤدي إلى توازن بيئة الأرض عامة.

وهذا الأسلوب هو أسلوب متكامل يهدف إلى الحفاظ على حياة المجتمعات من جميع النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية دون وجود تأثيرات سلبية متعاكسة بين هذه الجوانب. فمن المشكلات البيئة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية مثلا السياسات الزراعية المطبقة في كثير من دول العالم والتي تؤثر بشكل رئيسيا في تدهور بالتربة. 

وقد عرف مفهوم التنمية تغيرات عبر الزمن حيث أختلف الاقتصاديون في تحديد مفهوم التنمية، وهناك من يصنفها بأنها عملية نمو شاملة تكون مرفقة بتغيرات جوهرية في بنية اقتصاديات الدول النامية وأهمها الاهتمام بالصناعة.

لان التنمية المستدامة مفهوم شامل يرتبط باستمرارية الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والمؤسّسية والبيئية للمجتمع، حيث تمكّن هذه التنمية المجتمع وأفراده ومؤسساته من تلبية احتياجاتهم والتعبير عن وجودهم الفعلي في الوقت الحالي مع حفظ التنوّع الحيوي والحفاظ على النظم الأيديولوجية والعمل على استمرار واستدامة العلاقات الإيجابية بين النظام البشري والنظام الحيوي حتى لا يتمّ التعدّي على حقوق الأجيال القادمة في العيش بحياة كريمة، كما يحمل هذا المفهوم للتنمية المستدامة في طيّاته مبدأ ضرورة مواجهة العالم لمخاطر التدهور البيئي الذي يجب التغلّب عليه مع عدم التخلّي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي.  إذ أن شمولية مفهوم التنمية المستدامة وتضمّنه جوانب اقتصادية واجتماعية ومؤسّسية وبيئية وغيرها، فإن التأكيد على البُعد البيئي إنما يرجع إلى إقامة المشروعات الاقتصادية الكثيرة والمتنوّعة حيث تتعرّض البيئة للمخاطر من خلال استخدام الموارد الطبيعية القابلة للنضوب أو من خلال ما تسبّبه هذه المشروعات من هدر وتلوّث بيئي.

لذلك فإن مفهوم التنمية المستدامة يأخذ في الاعتبار سلامة البيئة ويعطي اهتماما متساوياً ومتوازياً للظروف البيئية مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وتكون حماية البيئة والاستخدام المتوازن للموارد الطبيعية جزءً لا يتجزّأ من عملية التنمية المستدامة. كما أن عملية دمج الاعتبارات الاقتصادية مع الاعتبارات البيئية في عمليات صنع واتّخاذ القرارات المختلفة هو من أركان ودعائم الطريق السليم في بناء وتحقيق التنمية المستدامة.

 في حين أن البنك الدولي يضع تصور آخر للتنمية حيث يصنف العالم وفقا للدخل الوطني الإجمالي للفرد على أساس أربع معايير: -الدخل المنخفض؛ -الدخل المتوسط؛ -الدخل العالي؛ -الدخل الأعلى.

غير أن هذا المقياس مشكوك في مصداقيته فهناك عدد من الدول تنعم بالدخل الفردي المرتفع لكنها تتميز بسوء توزيعه مما يفرز الفقر والبطالة كمثال على ذلك البرازيل، حيث كان معدل النمو السنوي في الناتج الوطني الإجمالي 5.1% من سنة 1960 إلى 1981، أما الدخل الوطني ل 40% من الفئات الفقيرة من السكان فقد انخفض خلال الستينات من 10% إلى 8% بينما ارتفعت حصة 5% من الأغنياء من 29% إلى 38%.

وباختصار فإن الاقتصاديون عاملو التنمية في الماضي عل أنها قضية لا تزيد عن كونها أكثر من تدريبات وممارسات وتطبيقات في علم الاقتصاد التطبيقي منفصل على الأفكار السياسية ويستبعدون دور الأفراد في المجتمع.

 وبالتالي فإن النظرة التقليدية للتنمية ركزت على القضايا التنموية وأغفلت جوانب لها دور جوهري في حياة البشرية حاضرا ومستقبلاـ أي أن الإمكانيات المتاحة لا يمكن تسخيرها للإجمال الحاضرة فحسب، بل يجب التفكير في كيفية استفادة أجيال المستقبل أيضا.

أهداف التنمية المستدامة

وعلى الرغم من أن أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانوناً، فإن من المتوقع أن تأخذ الحكومات زمام ملكيتها وتضع أطر وطنية لتحقيقها.

ولذا فالدول هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن متابعة التقدم المحرز واستعراضه، مما يتطلب جمع بيانات نوعية — يسهل الوصول إليها — في الوقت المناسب، بحيث تستند المتابعة والاستعراض على الصعيد الإقليمي إلى التحليلات التي تجري على الصعيد الوطني، وبما يساهم في المتابعة والمراجعة على الصعيد العالمي.

تعلق أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة بتشجيع الكفاءة في الموارد والطاقة، واستدامة البنية الأساسية، وتوفير إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل اللائق وغير المضر بالبيئة، وتحسين جودة الحياة لصالح الجميع.

ويساعد تطبيق أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة على إنجاز خطط التنمية الشاملة، وخفض التكاليف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مستقبلا، وتوطيد القدرة التنافسية الاقتصادية، وخفض حدة الفقر.

وتستهدف أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة” إنتاج المزيد بشكل أفضل وبتكلفة أقل“، وزيادة المكاسب الصافية في الرفاهية الناشئة عن الأنشطة الاقتصادية بخفض استعمال الموارد وتقليل تدهورها وما ينشأ عنها من تلوث، على مدار كامل دورة الحياة، مع العمل على زيادة جودة الحياة.

ويدخل فيها شتى المهتمين، ومنهم أصحاب الأعمال، والمستهلكين، والمسؤولين عن رسم السياسيات، والباحثين، والعلماء، وتجار التجزئة، ووسائط الإعلام، ووكالات التعاون الإنمائي.

وهي تقتضي أيضا اتباع المنهجية في النهوض والتعاون فيما بين الجهات الفاعلة العاملة في سلسلة الإمداد، بدءا من المنتج وحتى المستهلك الأخير.

 وتشمل من بين ما تشمل، إشراك المستهلكين من خلال التوعية والتثقيف بأنماط الاستهلاك والحياة المستدامة، وتزويد المستهلكين بما يكفي من معلومات من خلال المواصفات والملصقات التعريفية، والانخراط في المشتريات العامة المستدامة وغيرها.

بدون السلام، والاستقرار، وحقوق الإنسان، والحوكمة الفاعلة القائمة على حكم القانون، لا يمكن أن نأمل في تنمية مستدامة. فنحن نعيش في عالم متسارع الانقسام. وتتمتع بعض المناطق بمستوى مستدام من السلام، والأمن والازدهار، في حين أن بعضها الآخر يعيش في دوامة تبدو غير متناهية من الصراع والعنف. وهذا الأمر لا يعني أنه حتمي، ويجب علينا معالجته.

والمستويات العليا من العنف وفقدان الأمن ذات تأثير مدمر على تنمية أي دولة، حيث تؤثر على النمو الاقتصادي وغالباً ما ينتج عنها مظالم طويلة يمكن أن تمتد لأجيال.

فالعنف الجنسي، والجريمة، والاستغلال والتعذيب تسود أيضاً عندما يكون هناك صراع أو انعدام حكم القانون، لذا يتوجب على الدول اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الفئات الأكثر تعرضاً للخطر.

من أهداف التنمية المستدامة مكرس لتهيئة المجتمعات السلمية والجامعة للتنمية المستدامة، وإتاحة العدالة للجميع، وبناء مؤسسات مساءلة فاعلة على كافة المستويات. والهدف هو التقليل الملموس لكافة أشكال العنف، والعمل مع الحكومات والمجتمعات بإيجاد الحلول النهائية للصراعات وانعدام الأمن.

القانون وحقوق الإنسان

إن تعزيز حكم القانون وترسيخ حقوق الإنسان أمرين هامين لهذا الإجراء، وأيضاً تقليل تدفق الأسلحة بطريقة شرعية وتعزيز مشاركة الدول النامية في مؤسسات الحوكمة العالمية.  وسوف تواصل أهداف التنمية المستدامة الكفاح ضد الفقر المدقع، ولكنها تضيف التحديات المتمثلة في ضمان تنمية أكثر عدالة والاستدامة البيئية، وخاصة الهدف الرئيسي المتمثل في الحد من مخاطر تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية.

إن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها قد تجتمع في بلد ما كلها أو بعضها أو ينفرد بها بلد دون آخر على وفق تفرزه البيئة وأوضاعه من آثار وأبعاد وما يترتّب على ذلك وعلى الأسباب والعوامل المؤثّرة، من انخفاض الدخل القومي، وجود ثروات غير مستغلّة، سوء توزيع الدخل، ازدياد عدد السكان بشكل كبير، سوء التشريع الضريبي، ضعف التكنولوجيا الصناعية وعدم القدرة على المنافسة، البطالة، ارتفاع نسبة الأميّة، انخفاض مستوى التعليم، ظاهرة عمل الأطفال، وغير ذلك.

تظهر بما لا يدع مجالاً للشكّ وجود مشكلة ذات خطورة وأهمية كبيرة ألا وهي ضعف الفلسفة أو ضعف الفكر الاقتصادي الذي يمكن أن يحدّد الإطار القانوني والتشريعي، ويضع قواعد السياسات الاقتصادية، ويمنع مخاطر التوتّرات وعدم الاستقرار السياسي، ويدفع للميل إلى تغليب المصالح الضيّقة والشخصية على المصالح العامة،

وضعف العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء ودول الجوار وبالتالي عدم وجود تشريعات اقتصادية ترعى هذه العلاقات التي قد تسودها الفوضى وانعدم التوازن وزيادة التأثيرات الخارجية والإقليمية وخلق حالة من التخوّف والتحسّب قد تصل إلى حدّ التبعية من خلال انعدام قدرة أصحاب القرار من أن يكونوا أسياد قرارهم.

وهذه الحالة في أي دولة كان ستشهد غياب السعي إلى تنمية القطاعات الاستراتيجية أو عدم القدرة على ذلك، وغياب التعاون الإقليمي في ظل سيادة التكتّلات الإقليمية والدولية، وضعف استخدام البحث العلمي من أجل التطوير.

البيئة السياسية والتشريعات

كل ذلك، بسبب إهمال التشريعات من قبل البيئة السياسية، وهذا أمر له أثره السيء في عملية التنمية الاقتصادية فضلاً عن تأثيره البالغ السوء في الأفراد والمجتمعات. وأقلّ ظواهرها نمو ظاهرة الفساد.

إن الهدف الذي نسعى إليه، هو التنمية؛ اقتصادية وغير اقتصادية، لكنها الأهمّ، لخلق فرص عمل، ومناخ جاذب ومشجّع لقطاع الأعمال والاستثمار، وتحديد علاقات واضحة وعادلة بين العمال وأصحاب المؤسسات والدولة، وتبسيط هذه العلاقات وإجراءاتها وإجراءات التقاضي، وجعل الدولة، دولة فضلى جاذبة للاستثمار، ودافعة للعمل ولقطاع الأعمال، ومحقّقة لمعدّلات تنمية مرتفعة فتوفّر فرص عمل وتقضي على الفَقر وتفتح الشهيّة على التعلّم والتخصّص وتستوعب الزيادات السكانية وذلك من خلال تحديد فلسفة تشريعية وإصلاح تشريعي يعكس فلسفة التنمية ومراحل المستقبل الواعد.

 وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة نمواً غير مسبوق في حجم التجارة المحلية والدولية واختفاء الحدود الاقتصادية وزيادة كبيرة في حركة رؤوس الأموال بين مختلف الدول في ظلّ سيطرة اقتصاد السوق ونمو ظاهرة العولمة وتسارع وتيرة التطوّر التكنولوجي مما أدّى إلى إحداث تغيير جذري في نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية مما دفع بالمشرّعين الوطنيين والدوليين مع بروز ظواهر جديدة إلى ابتكار أطر وآليات قانونية جديدة لمواكبة هذه التغييرات بهدف المواءمة مع متطلّبات تحقيق النمو للأفراد والمجتمع.

إن التطوّرات التي حفل بها العالم في السنوات الأخيرة بشكل متسارع وغير مسبوق في شتّى المجالات والحقوق وحركة رؤوس الأموال بين مختلف الدول قد أدّى إلى تغييرات جذرية في جميع مناحي الحياة اقتصادية وغير اقتصاديه واجتماعية وغير اجتماعية مما أدّى إلى ظهور وبروز ميادين جديدة تحتاج إلى تنظيم وكذلك ظهور أنواع جديدة من الجرائم وميادين جديدة لهذه الجرائم،

كل ذلك وضع أمام المشرّع الدولي والوطني مهمات جديدة بابتكار أطر وآليات قانونية جديدة لحماية الأطراف المنخرطة في دورة هذه التطوّرات الاقتصادية والاجتماعية ومحورها الإنسان أكان فاعلاً كرجال الأعمال أم كان متفاعلاً كالمستهلك

وهذا الأخير هو الطرف الذي يعتبر الأضعف في هذه الحلقة لذلك كان على المشرّع وطنياً أم دولياً أن يواكب هذه التغييرات سعياً إلى المواءمة مع متطلّبات تحقيق النمو للأفراد والمجتمع وتشجيع المنافسة وجذب الاستثمارات وحماية المستهلك والحفاظ على حقوق الإنسان.

 من هنا الحاجة ملحّة وضرورية لابتداع تلك الأطر والآليات القانونية وتطوير القوانين الحمائية لتكون مرتكزاً لعملية تنمية شاملة، بالنظر لما تلعبه هذه القوانين من دور في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي مجتمع متقدّم أو نامٍ أو أقلّ نمواً، لأنه لا يمكن لأي مجتمع أو دولة أن تقوم بعملية إصلاح وتنمية شاملة دون وضع أطر قانونية تتناسب وتواءم مع حاجات الأفراد والمؤسسات المحلية والدولية.

ضرورة قيام أعضاء البرلمان خلال قيامهم بمهامهم بوضع الأطر والآليات التشريعية والقانونية أن يقوم بمهمة تحليل وتقييم الأثر التشريعي لكل تشريع يزمع القيام به فهذا التحليل والتقييم يستخدم لتقديم تقييم مفصّل ومنهجي للآثار المحتملة لتشريع جديد لمعرفة ما إذا كان هذا التشريع سيحقّق الأهداف المرجوّة منه أم لا.

 وتنبع هذه الحاجة لتحليل الأثر التشريعي من حقيقة أن التشريع عادة ما تترتّب عليه العديد من الآثار وغالباً يصعب التنبؤ بها دون دراسة مفصّلة وتشاور مع الأطراف المعنية بالتشريع. كما أن المنهج الاقتصادي لتقييم التشريع أيضاً على المخاطر العالية بأن تتجاوز تكاليف التشريع فوائده المبتغاة منه.

ومن هذه الرؤية يكون الغرض الأساسي من تحليل الأثر التشريعي ضمان أن يكون هذا التشريع معزّزاً لرفاهية المجتمع أي أن تتجاوز فوائده تكاليفه. وهكذا سبقت الوقائع الطبيعية الأفكار الاقتصادية، وظل الإنسان يبحث عن أفضل السبل لإشباع حاجاته الأساسية قبل أن يفكر في تحليل الظاهر، وسعى إلى أن ينظم الحياة الاقتصادية بأعراف وتقاليد وقوانين تخدم غاياته الإنسانية، فجوبه بمشاكل ارتبط قسم منها بموطئ قدمه مسكناً أو قريةً أو مدينةً أو بلداً، ساعياً نحو إيجاد حلول لها، سواء أكان ذلك بما يملكه في مجتمعه الصغير أم بالتعاون مع المجتمعات الأخرى والاندماج بها.

وقد واجه الإنسان في العصر الحديث كماً هائلاً من المشاكل التي تمتد من وجوده على الأرض محددة بقوانين ارتبطت بالوطن، إلى اقتصاداته ومشاكلها المتفرعة التي ترتبط بندرة الموارد الطبيعية أو المحافظة عليها أو ما يحدث من كوارث طبيعية أو اقتصادية.

   ولا شك في أن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة وثيقة وتبادلية الأثر في العالم كله، أما في الوطن العربي فالأمر يأخذ أبعاداً أعظم وأشمل وأشد أثراً، ولا يمكن الفصل بينهما، حتى إذا أردنا أن نحقق تقدماً على الصعيد السياسي فلابد منه على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن الصُّعُد الأخرى ولاسيما الاجتماعية منها.

 ان العالم يشهد تغيرات وتحولات جذرية في شكل ومضمون العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انعكست بشكل كبير على اقتصادات الدول، وحتمت عليها السعي نحو تطوير تشريعاتها، بالإضافة إلى تطبيق مفاهيم ونظم إدارية وتقنية جديدة تعزز تنافسيتها العالمية، اهمها الحوكمة، والحكومة الإلكترونية أو الذكية.

وتزامن هذا السعي من جانب الدول مع اهتمام الأمم المتحدة بمفهوم التنمية المستدامة، ووضع أجندة تنموية تتضمن 17 هدفًا و169 غاية لخطة التنمية المستدامة 2030، والتي بدأ سريانها في يناير 2016، بهدف تلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة في مجال التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وتوفير فرص عمل تحقق مستويات أعلى من النمو الاقتصادي، والحفاظ على الموارد الاقتصادية لتلبية احتياجات الأجيال القادمة.

دولة القانون والتنمية المستدامة

ونؤكد أن وجود تشريعات جيدة في أي دولة لا يكفي في حد ذاته، لقيام دولة القانون وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأن سيادة القانون تعني الالتزام بتطبيقه على الجميع دون استثناء، بالإضافة إلى العدالة الناجزة التي من شأنها تحقيق الردع الكافي للالتزام بإنفاذ القانون وخلق بيئة يسودها الاطمئنان والثقة والاستقرار اللازم لتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية.

أن نجاح التشريع في تحقيق التنمية المستدامة يتطلب مراجعة وتعديل النصوص التشريعية، بما يضمن عدم فتح المجال أمام الاستثناءات في التشريعات المتعلقة بالتنمية ويوفر بيئة مناسبة للحد من هجرة الكفاءات الوطنية ورؤوس الأموال واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بما يعزز التنمية ويخلق المزيد من فرص العمل.

إن التشريع أداة للضبط الاجتماعي، وبدونه تكون الأمور فوضى، وأن الدستور المصري اهتم بالتنمية المستدامة. إن الدستور أعار قضية التنمية المستدامة الاهتمام الخاص، حين نص في مادته السابعة والعشرين على أن النظام الاقتصادي المصري يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية،

بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر، وضعًا بذلك قضية التنمية المستدامة محورًا أساسيًا من المحاور التي تركز عليها الدولة، وتعني بها الحكومات المتعاقبة. فيما يتعلق بالجوانب ذات الأثر المالي، سواء التشريعات التي تعدها وزارت الحكومة.

الأهداف الاقتصادية تتمثل في تحقيق القطاعات الرأسمالية أعلى ربح ممكن بزيادة المبيعات، سواء كانت مبيعات أراض أو مواد بناء وغيرها، وتقليل النفقات ومنها مرتبات العاملين أو جودة المنتجات دون الاهتمام بالمجتمع أو البيئة، بينما الأهداف الاجتماعية تتمثل في زيادة الرقعة السكانية،

وتوفير وسائل الترفيه من متنزهات وشوارع فسيحة مثلا، وتحقيق جودة العيش حتى لو كان ذلك على حساب البيئة واستهلاك الموارد والمساحات، بينما الأهداف البيئية تتمثل في الحفاظ على توازن النظام البيئي وعدم استنفاذ الموارد الطبيعية واستهلاك الأراضي البرية، وهو ما يعطل أهداف الاقتصاد والمجتمع. فما هو الحل؟

الحل هو قيام تفعيل دور التخطيط الحضري، وهو يبدأ من تقديم المعلومات الحضرية والإحصائية لأفراد المجتمع عبر مؤسسات رسمية حتى تتوسع مداركهم ويستطيعوا تحديد أهدافهم، وبالتالي يصبح لديهم المقدرة والمعرفة اللازمة للمشاركة الإيجابية في انتخابات المجالس البلدية بناء على أهدافهم وليس على مقومات قبلية أو عرقية.

 ومن واجبات المخطط الحضري أيضا المساعدة في وضع إجراءات تشريعية لتوسيع المجالس البلدية لتشمل عقد جلسات استماع عامة لأفراد المجتمع لضمان تغطية أوسع لأهداف تيارات المجتمع المختلفة عند التخطيط وتحديد استخدامات الأراضي أو تحديد أولويات المشاريع.

وعلى سبيل المثال نقارن مدينتين كنديتين، مدينة فانكوفر مع تورنتو، فالتشريعات الحضرية في الأولى تعطي مساحة أكبر لمشاركة المجتمع في التخطيط الحضري، ولذلك فإن في فانكوفر متنزهات أكثر وتلوثا أقل وتوازنا بيئيا أكثر ومعدل جرائم أقل، ومساكن منخفضة التكلفة أكثر ومرافق عامة أكثر ومتاحف ومناطق خالية من السيارات أكثر من تورنتو، كما أنها مقصد سياحي مهم جدا لأنها دائما تحتل مراكز متقدمة في تصنيفات المدن الأكثر جودة في العيش، ولهذا فإن التدفقات النقدية والاستثمارات عالية أيضا، وهذا مهم في الاقتصاد، وما كان ذلك ممكنا لولا التشريعات الحضرية التي تهدف إلى توسيع مشاركة المجتمع في المجالس البلدية وجلسات الاستماع العامة.

تفعيل التشريعات البيئية وتطويرها والحرص على إدماج البعد البيئي في المخططات التنموية بما في ذلك دراسة التأثير البيئي للمشروعات التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وقد ترتب عن الانسحاب الجزئي والتدريجي للدولة المصرية من الحقل الاقتصادي ظهور وتطور العديد من النشاطات الاقتصادية والتجارية خاصة في ظل الانفتاح على اقتصاد السوق، ومن أجل خلق توازن بين انسحاب الدولة من الحقل الاقتصادي وبين وجوب احتفاظها بدور الرقابة عليه ،تبنت شكلا جديدا من أشكال ممارسة السلطة بموجب سلطات الضبط في المجال الاقتصادي ،وهذه السلطات خولها المشرع المصري اختصاصات واسعة وجعلها لا تخضع لأي رقابة كانت وصائية أو رئاسية .

الضبط الاقتصادي

     وأهمية سلطات الضبط في المجال الاقتصادي لا يمكن استيعابها إلا من خلال معرفة الغرض من إنشائها والوقوف على ما يميزها عن غيرها من الهيئات الأخرى.

تعتبر سلطات الضبط في المجال الاقتصادي أو ما يعرف بسلطات الضبط الاقتصادي مؤسسات جديدة من مؤسسات الدولة الجزائرية أصبحت منوطة بمهمة الضبط في جميع النشاطات ذات البعد الاقتصادي،

فبعد أن تميز النشاط الاقتصادي المصري لفترة من الزمن بهيمنة الدولة وسيطرتها على كل الجوانب، فأصبح من الضروري إعادة النظر في الوظائف وتكييفها بصورة جديدة تتأقلم مع التطورات الداخلية والخارجية،

ليبرز دور الدولة من الدولة المسيطرة إلى الدولة الضامنة وأصبحت بذلك السلطات الإدارية المستقلة الفاصلة في المواد الاقتصادية والمالية العمود الفقري للضبط الاقتصادي في مختلف المجالات وما زاد من فعاليتها الحوكمة كأداة لإنعاش الاقتصاد.

علما أن الحوكمة من مصطلحات الحكم الراشد الذي ظهر في فرنسا في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح الحكومة،

وتجدر الإشارة إلى أهمية الفكرة الجوهرية التي مفادها علاقة الضبط الاقتصادي بالحكم الراشد من وجهة نظر قانونية، وتبرز الدراسات أهمية كل من الضبط الاقتصادي وكذا الحكم الراشد في المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، واحترام قواعد السوق المتمثلة في العرض والطلب من أجل تحقيق الشفافية الاقتصادية،

والدور الكبير للحكم الراشد باعتباره يمثل الإجراءات والأساليب التي تمارس بها السلطة لأجل تسيير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد بغية التنمية.

 ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية إلا بالحكم الراشد الذي يتضمن حكما ديمقراطيا فعالا ويستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية. ليس هذا فحسب بل والحفاظ على آفاق تنموية رحبة في المستقبل عبر ضمان خاصية الاستدامة.

  يعتبر ضبط وتنظيم الحياة الاقتصادية من القضايا المهمة لكل الدول بهدف التحكم في السوق الداخلية وحمايتها من كل أشكال الممارسات الغير القانونية ولأجل ذلك تم استحداث هيئات إدارية مهمتها الأساسية تأطير الممارسات الاقتصادية.

وهذه الهيئات تقوم بالوظيفة الإدارية تعبيرا عن نشاطها الإداري، وتتولى هذه المهمة الإدارات العمومية على المستوى المركزي أو المحلي أو على المستوى الخاص بالإدارات الأخرى.

إلى جانب هذه الإدارات المركزية ظهرت سلطات جديدة سميت بالسلطات الإدارية المستقلة وهي مؤسسات جديدة مكونة لجهاز الدولة. ونخص بالذكر سلطات الضبط الاقتصادي المستقلة، وفكرة السلطات الإدارية المستقلة تقوم على وجود منظمة متميزة ومستقلة خارج إطار وقواعد الوظيفة التنفيذية ولا تخضع لرقابة أو إشراف من السلطة المركزية وبالتالي تختلف عن الإدارات التقليدية.

إذا كان مبدأ حرية الصناعة والتجارة مكرس دستورا إلا أنه وضعت حدود بسبب تدخل السلطة العامة وذلك عن طريق تنظيم بعض النشاطات الاقتصادية ذات الطابع الخاص وذلك بفرضها لنظام الرخص المسبقة والتي تأخذ شكل الرخصة الاعتماد أو الترخيص الذي تمنحه بعض سلطات الضبط الاقتصادي ففي إطار النشاط البنكي والمصرفي

فإن البنك المركزي المصري له سلطة ممارسة رقابة سابقة لشروط ممارسة المهنة المصرفية أما في مجال البورصة تمارس لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها نوعين من الرقابة يتمثل الأول في الرقابة على الالتحاق بسوق القيم المنقولة أما النوع الثاني يتمثل في الرقابة على الالتحاق بمهنة الوسيط في عمليات البورصة

فالضبط الاقتصادي يساهم في تطوير قطاعات النشاط الاقتصادي ويمثل عاملا ضروريا في التحول نحو اقتصاد السوق، ولذا وجب على المشرع الاجتهاد أكثر لإيجاد بناء قانوني موحد لهيئات الضبط الاقتصادي

فقد لاحظنا أن تكوين هذه الهيئات وطرق تعيين أعضائها وكذا الطرق التي تؤمن لها الاستقلالية تختلف من هيئة إلى أخرى، ويضاف إلى أن بعض هذه الهيئات تتمتع بالشخصية المعنوية والبعض الأخر لا يتمتع بها حيث أنه رغم كل الضمانات التي قدمها المشرع المصري تبقى هذه الاستقلالية تتسم بالنسبية.

وعلى صعيد اخر تعتبر هذه السلطات من حيث النظام القانوني عبارة عن هيئات مركزية على الدوام بخلاف بعض الدول كمصر حيث تعتبر هيئات مركزية أو جهوية. وفي مجال سلطة توقيع العقوبات فقد اعترف المشرع المصري لهذه الهيئات المستقلة في مجال الضبط الاقتصادي بسلطة توقيع عقوبات إدارية الأمر الذي جعلها تحل محل القضاء في الجرائم التنظيمية وفي المجال التنظيمي فإن المشرع المصري لم يختلف عن المشرع الفرنسي حيث الغموض والنقص الذي ميز إنشاء هذه السلطات

لذا وجب على المشرع الجزائري أن يحدد القواعد العامة المطبقة على هذه الهيئات بالشكل الذي يضمن لها ممارسة مهامها بكل استقلالية وشفافية مع توفير الضمانات الكافية لحماية مصالح المتعاملين الاقتصاديين. وفي سبيل حماية الحقوق وتكريس ضمانات أكبر للمتعاملين الاقتصاديين فإنه يتوجب السعي نحو منح سلطات الضبط الاقتصادي استقلالية شبه مطلقة مع وجوب إخضاعها لرقابة سياسية في بعض الأحيان كماهو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية. تجدر الإشارة بأن مصداقية وجدية الدولة لا تكون إلا إذا احترمنا قوانين السوق وأن القرارات تكون مقادة ومسيرة على مستوى السلم الأكثر ارتفاعا عن طريق أحسن مستعمل للسوق وهذا ما يؤدي إلى أثر غير مهمل حول قدرة البلد على جذب المستثمرين الأجانب عن طريق التأكيد أن البلد يسير وفق قواعد السوق،

مما يؤدي إلى جذب رؤوس الأموال المهتمة بالخصخصة ولكن كذلك الاستثمارات في قطاعات أخرى في الاقتصاد مما يزيد في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومن هذا المنطلق ومن الفرضية الأخلاقية والمعنوية فان الخصخصة هي شرطية للفاعلية الاقتصادية.

إن ثقة المستثمرين بأن رأس المال الذي يقدمونه ستتم حمايته من إساءة الاستخدام أو إساء التخصيص من جانب مديري الشركة أو مجلس الإدارة أو المساهمين من ذوي النسب الحاكمة في الشركة من العوامل الهامة في أسواق رأس المال حيث تكون هناك فرصة أمام مجالس الشركة والمديرين والمساهمين والمسيطرين والغير المسيطرين وإحدى الطرق التي يمكن للمساهمين أن يحفظو بها حقوقهم في قدرتهم على اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية ضد إدارة الشركة ومجلس الإدارة،

وقد أظهرت التجربة أن أحد المحددات الأساسية لدرجة احترام حقوق المساهمين هي ما إذا كانت هناك طرق فعالة للحصول على تعويض للشكاوى، وعامة هناك مجموعة إرشادات يجب الأخذ بها عند الالتزام بتطبيق المبدأ المتعلق بالمعاملة المتساوية لجميع المستثمرين

في حالة غياب الرؤية الاقتصادية لدى المشرع، قد يُصدر تشريعاً يناهض متطلبات الواقع الاقتصادي، وربما يَضطر إلى تعديله خلال فترة وجيزة، ومن ثم معايشة حالة من عدم الاستقرار التشريعي، وسببها في الأصل عدم الفهم الكامل لمتطلبات الواقع الاقتصادي.

فإن أهم معايير تحديد مستوى المخاطرة التجارية Risk Assessmentفي أي بلد هو النظر لمدى جودة وشفافية قوانين ذلك البلد أولا، ثم مدى الالتزام بتطبيق تلك القوانين ثانيا. وكثيرا ما يعمد بعض التنفيذيين إلى الارتجال أو انتهاج طريقة القرارات الوقتية، التي كثيرا ما تكون معارضة لأحد الأنظمة أحيانا، أو ربما لقرارات شبيهة سابقة،

 بينما لو ركز أولئك على إصلاح الأنظمة وتحديثها لتتواكب مع الرؤى الاقتصادية الحديثة لكان أجدى بكثير. كما إن إصلاح القانون يمكن أن يوصف بأنه إصلاح جذري للمشكلة، كونه يُشكل أساسا جديدا للحل، وليس من خلال ترميم الأخطاء أو الصعوبات فقط. إننا في سبيل تحقيق “رؤية 2030” يجب العمل على تحديث ووضع مزيد من الأنظمة التجارية المتطورة، إذ لا يمكن للأنظمة القديمة أن تساعد في بناء اقتصاد تنافسيّ وحديث دون أن يكون قائد ذلك البناء تطوير الأنظمة التي يستند عليها.

وفي هذا الإطار؛ فإنه في نظري يجب إصدار نظام تجارة متكاملا وجديدا، يغطي أكبر قدر من الجوانب، ويتوافق مع حاجيات الزمن، ويماثل في المستوى أحدث القوانين التجارية العالمية، ولا يجوز أن يبقى المستثمرون ضحية التخمين والاجتهادات الشخصية بين المحاكم والمسؤولين، فقد آن الأوان ليصبح الاقتصاد المصري اقتصادا منظما وحديثا وشفافا، في كثير من الأنظمة التجارية الحديثة والمتطورة. وما زلنا ننتظر نظام الإفلاس وغيره من الأنظمة المهمة، وهناك كثير من الجوانب لا تزال تحتاج إلى تنظيم وتحديث فيما يتعلق بوضع القوانين واللوائح لها. إن الاهتمام بشكل عام بعلم الاقتصاد السياسي

ميكانيكية الأسعار

لذا فالاقتصاد السياسي هو ذلك العلم الذي يتداخل عمله ما بين قوتين أساسيتين: قوة “السوق” وقوة “الدولة”. فإن ميكانيكية الأسعار إذا تركت بدون أي تدخل، بحسب قوى العرض والطلب، فذلك مجال رجل الاقتصاد في التعامل مع قوى السوق، أما إن تم تخصيص الموارد الاقتصادية دون أي اعتبار لقوى السوق فهذا هو مجال العمل السياسي والدولة المنوطة به، أما من الناحية الواقعية فلا يوجد تحكم كامل لقوى السوق وحدها أو قوى الدولة وحدها في تخصيص الموارد الاقتصادية.

هدف المحكمة الاقتصادية

يستهدف قانون المحكمة الاقتصادية، جذب الاستثمارات من خلال تحديث تشريعاتها بما يتواكب مع المتغيرات التي تشهدها البلاد ومن اهم هذه التشريعات قانون المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 بوصفه القانون المنظم لاختصاص هذه المحكمة بنظر العديد من المنازعات التي ترتبط بالنشاط الاقتصادي والتجاري

– يوفر مشروع القانون مناخا جيدا للاستثمار في مصر من خلال تطوير العمل بالمحاكم الاقتصادية بوصفها المختصة بنظر الدعاوى الاقتصادية

– وضع قواعد تنظيم التقاضي الإلكتروني أمام المحاكم الاقتصادية حيث اتاح إقامة الدعوى والطعن في الحكم بالطريق الإلكتروني

– يتم إعلان الخصوم إلكترونيًا وتقديم المذكرات والمستندات وطلبات الدعوى إلكترونيًا من خلال موقع مخصص لذلك.

-أضاف اختصاص للمحكمة الاقتصادية وهو نظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن قوانين غسل الأموال وتنظيم نشاط التمويل متناهي الصغر والضمانات المنقولة والصكوك.

– كما وضع قواعد تأديب الخبراء المقيدين بجداول وزارة العدل التي تستعين بهم المحاكم الاقتصادية.

– تحيل المحاكم من تلقاء نفسها ما يوجد لديها من منازعات ودعاوى أصبحت بمقتضى أحكام هذا القانون من اختصاص المحاكم الاقتصادية وذلك بالحالة التي تكون عليها وبدون رسوم وفى حالة غياب أحد الخصوم يقوم قلم الكتاب بإعلانه بأمر الإحالة مع تكليفه بالحضور في الميعاد أمام المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى

– عمد المشروع إلى فتح المجال لقيام المحاكم الاقتصادية بسرعة التسوية والفصل في المنازعات والدعاوى.

– ينشأ بكل محكمة اقتصادية هيئة تسمى “هيئة التحضير”، ويشار إليها في مواد هذا القانون بالهيئة وتتولى التحضير في الدعاوى التي تختص بها هذه المحكمة وذلك فيما عدا الدعاوى الجنائية والدعاوى المستأنفة والدعاوى والأوامر المنصوص عليها في المادتين 3 و7 من هذا القانون وكذلك الدعاوى المحالة إليها من المحاكم الأخرى للاختصاص النوعي

– تشكل الهيئة برئاسة قاض من قضاة الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية يشار إليه في مواد هذا القانون برئيس الهيئة وعضوية عدد كافٍ من قضاتها بدرجة رئيس محكمة بالمحاكم الابتدائية على الأقل يشار إليه في مواد هذا القانون بقاضي التحضير تختارهم جمعيتها العامة في بداية كل عام قضائي ويلحق بالهيئة العدد اللازم من الإداريين والكتبة ولها أن تستعين بمن ترى من الخبراء والمتخصصين المقيدين في الجداول التي تعد لهذا الغرض بوزارة العدل.

 – ليتواكب مع المتطلبات المحلية والدولية ويتفادى السلبيات التي أفرزتها الممارسة العملية لتطبيق إحكام قانون المحاكم الاقتصادية ويتوسع في اختصاص المحكمة بنظر الدعاوى وهو ما كان مطلبًا لبعض الهيئات والجهات الدولية.

أنشئت بالقانون رقم 120 لسنة 2008 لتختص بنظر القضايا ذات الطابع الاقتصادي المتعلقة بالاستثمار سواء الجنائية أو المدنية، ابتغاء تحقيق فكرة تخصص القضاء بالنسبة لقضايا التنمية الاقتصادية، وولايتها جزء من ولاية القضاء العادي ومن حيث ترتيب المحاكم وطبقاتها فهي وفقًا للمادة “1” من قانونها “تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمه استئناف محكمه تسمى المحكمة الاقتصادية….

ويكون قضاتها من بين قضاة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف…، وتشكل من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية، ويحدد القانون في المادة الرابعة منه نوعية الجرائم التي تختص بها المحكمة الاقتصادية “الجنح -الجنايات”، وتبين المادة السادسة وما بعدها – المنازعات التي تختص بها المحاكم الاقتصادية سواء ابتدائيًا أو استئنافيًا وكيفية نظرها ثم الطعن عليها بالنقض. محاكم الاستئناف العالي: وهي ثماني محاكم على مستوى الجمهورية توجد بالقاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط وقنا

تمثل المحاكم الاقتصادية إحدى الآليات المستحدثة للفصل في النزاعات التجارية والاقتصادية على حد سواء، وقد بدأت الفكرة بإنشاء محاكم متخصصة للفصل في القضايا الاقتصادية نتيجة طبيعة القضايا الاقتصادية وما تحتاجه من سرعة في الفصل في النزاعات التي تعرض عليها.

    وعليه تعد هذه المحاكم هي محاكم مخصصة للنظر في الدعاوى الاقتصادية والتجارية المختلفة، ولكنها لم ترتقي بعد إلى مرتبة المحاكم المتخصصة لكون المحاكم المتخصصة تعنى بشكل أساسي بالقضايا الاقتصادية ويقوم بذلك قضاة مختصون، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن، وعليه يطلق على المحاكم الاقتصادية محاكم مخصصة على غرار محاكم الأسرة في القانون المصري

ونجد أن اختصاصات هذه المحاكم ذات طبيعة جنائية ومدنية وبالتالي فهي تصدر أحكام قضائية على بعض الجرائم في حين أنها تصدر أحكام ذات طبيعة مدنية في قضايا أخرى مما جعل هذه المحاكم ذات طبيعة مزدوجة

    وتعتمد هذه المحاكم على فض المنازعات والخلافات التجارية التي تنشأ داخل الدولة من خلال الآليات المختلفة مثل الصلح والوساطة القضائية، ولكن يبقي أن نقول إن فعالية المحاكم في فض المنازعات التجارية هو أمر محدود للغاية نظرا لطبيعة المنازعات التجارية والأمر الآخر أن هناك العديد من الآليات غير القضائية مثل الوساطة والتحكيم

والتي تتم خارج أروقة المؤسسات القضائية، مما يجعل من دور المحاكم الاقتصادية في فض المنازعات التجارية أمر محدود ويعد اللجوء إلى المحاكم الاقتصادية هو نهاية المطاف للحصول على أحكام في النزاعات المختلفة بعيدا عن آليات الوساطة والصلح ويعد الهدف الأساسي من إنشاء المحاكم الاقتصادية هو الرغبة في إنشاء قضاء متخصص وسريع يتولى النظر في المنازعات ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي والاستثمار، فيما لا شك فيه أن عدم فعالية  المؤسسة القضائية في أي من البلدان في حل المشكلات الاقتصادية والمنازعات التجارية يؤثر على سمعة البلد الاقتصادية

ويؤدي إلى هروب الاستثمارات الأجنبية نظرا لبطيء إجراءات التقاضي وتعقيدها أو لعدم وجود متخصصين للعمل بها على داريه كافية بطبيعة المشكلات الاقتصادية، وبالتالي فالخلل في آلية التقاضي الحكومية في بلد ما يصاحبه بالضرورة تخوف المستثمرين وإحجامهم عن المغامرة بمشروعات في بلد سمعته الفنية أو الإجرائية ليست بالقدر اللازم والكافي للتعامل مع المنازعات الاقتصادية المعقدة التي أفرزتها المتغيرات في حركة التجارة الدولية، وما ترتب عليه من ظهور أشكال جديدة للتجارة لم تكن موجودة من قبل ولا تقف عند حدود دولة معينة، بل أنها أصبحت متشعبة ومعقدة ولا يستطيع حلها إلا قضاء متخصص على درجة عالية من الكفاءة  .

فالمحاكم الاقتصادية هي محاكم ذات اختصاص خاص، يتقيد اختصاصها بالجرائم الناشئة عن القوانين الاقتصادية لذا فهي تختص بالجرائم الاقتصادية وتقوم بالنظر إلى الجانب المدني بالإضافة إلى الجانب الجزائي في الدعوى وعلي سبيل المثال مخالفة بعض احكام قانون الشركات المساهمة له عقوبة جزائية  ونفس الحال بالنسبة لقانون الاتصالات وتلقي الأموال للشركات العاملة في مجال تلقي الاموال والاستثمار وتقوم الدائرة التي تنظر الدعوى بنظر الشق الجزائي والمدني والاقتصادي والتجاري في نفس الوقت بدلا من تحويل الشق الجزائي إلى محكمة الجنايات أو محكمة البداية بصفة جزائية

إن التنمية الاقتصادية المنشودة تستلزم تشجيع الاستثمار وتحرير التجارة وجذب رؤوس الأموال وتعد العدالة الناجزة أحد أهم العوامل التي تساهم في توفير ذلك المناخ إذ بها تحسم المنازعات التي قد تنشأ عن ممارسات الأنشطة الاقتصادية.

وعليه برزت الحاجة إلى إنشاء محاكم اقتصادية تقوم على حل النزاعات التجارية، وقد برزت الحاجة إلى إنشاء محاكم متخصصة للقضايا الاقتصادية، لأن التخصص هو أحد المستجدات المهمة في المنظومة الإدارية الحديثة والتي شملت أغلب المؤسسات العامة في مختلف أنحاء العالم ومنها الأجهزة القضائية، فكثير من دول العالم طبقت معيار التخصص في العمل القضائي سواء عن طريق تخصيص دوائر للنظر في المنازعات أو أن تنشئ لها أجهزة قضائية متخصصة مثل المحاكم التجارية في فرنسا أو ألمانيا، وتعد المحكمة الاقتصادية التي أنشئت في مصر من أوائل هذا النوع من القضاء المتخصص في مصر والعالم العربي والتي أنشئت بموجب القانون رقم 120 لسنة  2008، وكذلك المحاكم التجارية في اليمن والتي أنشئت لأول مرة في اليمن عام 1976  وحظيت هذه المحاكم حينها باهتمام كبير من الدولة، وبعد قيام الجمهورية اليمنية  وتشابك وتنوع المعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية أنشئت المحاكم التجارية المتخصصة .

وقد برزت فكرة تخصص القضاة وإنشاء المحاكم المتخصصة بسبب متطلبات العصر ونتيجة ازدياد حجم المنازعات وتنوع مشاكل العصر وتشعبها وتداخلها، وكذلك نتيجة تعدد الأنظمة لمسايرة متطلبات العصر، ومن أجل هذه الاعتبارات وغيرها اتجهت الأنظمة القضائية المعاصرة إلى الأخذ بنظام تخصص القضاة نظرا لتزايد عدد القضايا التي يتعذر أو يتعسر على القاضي إنهاؤها على الوجه المنشود مما يدفع القاضي إلى التعجيل في إصدار الأحكام وحينئذ قد تصدر الأحكام دون رؤية، وأما أن يتروى فيستغرق ذلك وقتا طويلا الأمر الذي يترتب عليه تأخير الفصل في المنازعات وفي الحالتين قد لا يستقيم معه العمل لذلك اتجهت الأنظمة القضائية المعاصرة  إلى الأخذ بنظام تخصص القضاة .

ولا شك أن للمنازعات الاقتصادية طابعا خاصا يميزها عن غيرها من المنازعات وهو ما يستتبع إخضاعها لنظام خاص للتقاضي يختلف في بعض جوانبه عن القواعد العامة التي يتضمنها قانون المرافعات.

أولاً: نلاحظ أن الهيئة القضائية التي يعهد لها بمهمة الفصل في المنازعات الاقتصادية يجب أن تكون مخصصة لهذا الغرض، وهذه المحاكم هي التي تنشأ بموجب قانون أو بناء على قانون، وهي تدخل في إطار تشكيلات المحاكم العادية، ويقتصر نطاق ولايتها القضائية على نوع أو أنواع معينة ومحددة من القضايا والمنازعات، والتي غالباً ما تكون ذات طبيعة فنية تقنية.

ثانياً: تخصص القضاة يجب أن يضمن أن الأعضاء الجدد في الهيئة القضائية يتقلدون مناصبهم وهم يتحصنون بالمتطلبات الأساسية والمعرفة العلمية.

ثالثاً: نجد أن هذه المحاكم تقوم بأمرين الأول هو اختصار الوقت والثاني هو تحقيق العدالة، وتحقيق العدالة يتم بتطبيق ومراعاة كافة النصوص والمبادئ القانونية التي تحكم النزاع المطروح على القضاء تطبيقاً عادلاً يعكس مقصود المشرع ومراده، وتأتي فكرة إنشاء المحاكم المتخصصة كأحد مظاهر أو صور التوفيق بين اختصار الوقت وتحقيق العدالة.

أنشئت المحاكم الاقتصادية لتسهيل إجراءات التقاضي وخاصة في ضوء انتشار الجرائم الاقتصادية والتجارية، وبالتالي نجد أن النظم القانونية سعت إلى وضع تشريعات اقتصادية لإنشاء محاكم اقتصادية لسرعة الفصل في المنازعات التجارية.

ونجد أن المحاكم الاقتصادية تقوم بمجموعة من المهام الأساسية لحل المشاكل الاقتصادية وهي في البداية محاولة تسوية الخلافات الاقتصادية والتجارية من خلال آليات الصلح والوساطة، وفي حالة الفشل تصدر أحكامها في القضايا الماثلة أمامها.

وتعد المحاكم الاقتصادية هي إحدى الآليات الأساسية التي تعمد الدول على إنشائها من أجل فض النزاعات التجارية التي تثور بين المستثمرين أنفسهم أو بين الدولة والمستثمرين وبالتالي فهي آلية لإشاعة مناخ مواتي للاستثمار في البلاد.

وهنا تجدر الملاحظة أن دور المحاكم الاقتصادية لم يرتقي بعد إلى مرحلة فض المنازعات التجارية من خلال الصلح والوساطة، حيث نجد أن الممارسة العملية تبرز أن اللجوء إلى المحكمة يعني رغبة أحد الطرفين على الأقل في توقيع العقاب على الطرف الآخر أو الوصول إلى حل بعد فشل مساعي الوساطة والصلح خارج المحكمة.

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©