رئيس التحريرأميرة عبدالله

رحلة الأزهر من الجامع إلى الجامعة.. رحلة “ابن كلس”في الأزهر الشريف

رحلة الأزهر من الجامع إلى الجامعة.. رحلة “ابن كلس”في الأزهر الشريف

قصة “يعقوب اليهودي” الذي اسلم وحول الأزهر لجامعة.. قصة تاريخ تحول الأزهر من الجامع إلى الجامعة…. “يعقوب ابن كلس”رائد الدراسة الجامعية بالأزهر

كتبت:أسما فاروق

من يتصفح حياة الأزهر يجد بها الكثير من علامات النور المضيئة التى تنير العقول بكثرة ما به من مراحل الإنتقال على مدى العصور والأجيال المتزامنة، فهو بيت العلم العتيق و منبر الثقافة الإسلامية حمل لواء المعرفة في مصر وفي الشرق الإسلامي حفظ التراث دينًا ولغة ونشره فى الأفاق، وربما لا يعلم الكثير منا عن متى أُلقى أول درس تحت قبة الأزهر الشريف، وربما يخفى على الكثير منا كيف أصبح هذا الصرح العظيم يتحول من الجامع إلى الجامعة، ويكون مهد لدراسة جامعية منظمة مستقرة.

كانت النواه الأولى للأزهر هى بمائه على يد جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله فيجمادى الأولى سنه 359 هجرية 970 ميلادية، كان الغرض منه أن يكون روح أو رمز للسيادة الروحية للدولة الفاطمية، وفي تسميته يقال أن سببها هو نسبة إلى فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون، أو لأنه كان يحيط به قصور فخمة تسمى بالقصور الزهراء، وربما لأن البعض يظن أن هذا الجامع أكثر الجوامع فخامة أو لتفاؤل بأنه سيكون أعظم المساجد زهي و نورًا وكان التدريس في الأزهر الشريف على المذهب الفاطمي في الفقه وتعليم الشيعة والدين والفلسفة والتوحيد، واستجلب لهذه الدراسة ثلاثين عالم من أكبر العلماء والفقهاء، منحوا الكثير من الأموال وبنى لهم منازل فخمة وألحقت بالأزهر بعد ذلك، بدأ هؤلاء العلماء يدرسون ويتفقهون في مذاهب الفاطميين وتعاليمهم ويهدمون المذاهب الأخرى التي كانت شائعة في بغداد مقر الخلافة وقتها، وكانت هذه النخبة من العلماء وعلى رأسها كبير العلماء أبو يعقوب قاضي الخندق، سبب من الأسباب التي جعلت الأزهر يصبح مصدر للإقبال الطالب من شتى بقاع الأرض.ويذكر لنا شيخ المؤرخين” أحمد بن علي المقريزي”، أن أول من درس الفقه الفاطمي على مذهب الشيعة قاضي مصر “أبو الحسن علي بن النعمان محمد بن حيون” سنة 365 هجرية، حين جلس وأملى مختصر أبيه في الفقه على أهل البيت ويعرف هذا المختصر “بالإقتصار”، وكان جمعًا عظيمًا أثبتت فيه أسماء الحاضرين، وكان ذلك بمثابة افتتاح للأزهر.ثم بدأ يظهر إسم وعلم جديد هو “يعقوب بن كلس”، حين وضعه المعز وابنه العزيز من بعده وزيرللدولة، وكان يهودي الأصل ثم اسلم وربما اختاره الخليفة لما اشتهر عن اليهود من الحذق في الدعاية واتقانها، وقد آلف الوزير كتاب في الفقه يتضمن ما سمعه من الخليفة المعز وإبنه، وكان لهذا الكتاب مكانة كبيرة جعلته يوضع على أبواب الفقه الفاطمي و كان يقرأُه الوزيرعلى الناس، وكان يخصص يوم الجمعة ليقرأعلى الناس مصنفاته، و يجتمع الثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل.جلب ابن كلس إلى الأزهر كبار العلماء لتدريس الفقه الفاطمي وكان ذلك معلنًا أما في الخفاء فكان يقوم داعي الدعاة وأعوانه من قبل الحكومة ببث تعاليم الشيعة ومبادئها وكان هناك أيضًا مجلس يفرده للنساء، ويقول المقريزي إنهم وضعوا لهذه الدعوة الكتب الكثيرة من العلوم المدونة التي ذهبت بذهاب أهلها.وظل الجامع الأزهر مثابه لحلقات الدروس يلقيها بنو النعمان حتى سنه 369 هجرية ، ثم بدأت حلقات الأزهر تتحول إلى دراسة جامعية منظمة مستقرة فقد بدأ يعقوب بن كلس وزير المعز لدين الله يقرأ بإنتظام فيه كتابه المعروف بالرسالة.كان يعقوب يهوديًا ولد في بغداد وجاء إلى مصر سنه 334 هجرية واتصل بكا فور وأسلم في شعبان 356 هجرية، ثم صار إلى بلاد المغرب و اتصل بالمعز وكان رائدًا لجيشه في فتح مصر وحضرمع المعز إلي مصر عن 362 هجرية، وعندما توفي رثاه مائة شاعر.

ويروى أنه في يومًا من الأيام تسابق الخليفة العزيز بالله مع وزيره بالحمام، فسبق حمام الوزير، فتأثر الخليفة وقال لُه أعوانه إن الوزي اختار أجود أصناف الحمام لنفسه وترك أسوءها ليفوز بالسبق” ولما علم الوزير ذلك كتب إلى الخليفة ” قل أمير المؤمنين الذي له العلا والمثل الثاقب طائرك السابق لكنه جاء في خدمته حاجب” فأعجب الخليفة من كلامه وهدء غضبُه منه.

كانت مجالس ابن كلس تحمل طعم التحرر من القيود الرسمية والإتجاه نحو الأهداف العلمية وبذلك كانت أول المجالس التي عقدت بالجامع الأزهر، في عام 378 استأذن ابن كلس الخليفة أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس يحضرون مجلسه ويلازمونه و يعقدون مجالسهم بالأزهر في كل جمعة بعد الصلاة حتى العصر، وصل عددهم إلى ثلاثين فقيه، كان رئيسهم ومنظم دعوتهم ابن كلس.

في عام 380 هجرية رُتب المتصدون لقراءة العلم بالأزهر وبذلك صار الأزهر معهدًا جامعيًا للعلم والتعليم والدراسة، وكان هؤلاء الأساتذة الذي رتبهم ابن كلس للقراءة والدرس بالأزهر وأقرهم العزيز بالله أول الأساتذه المدرسين الذين عينوا بالجامع الأزهر الشريف، ومن هذا التاريخ يبدأ الأزهر حياته الجامعية العلمية الصحيحة.

كان ابن كلس يعقد بداره مجالس علميه وأدبية دورية ينتظم فى حضورها كبار الفقهاء والأدباء والشعراء، وكان يشرف بنفسه على هذه المجالس ويشترك في أعمالها وينفق من ماله على روادها، وضع العديد من الكتب في القراءات، والفقه، وأداب رسول الله، وفي علم الأبدان والصحة، ومختصر في فقه الشيعة وعرف بالرسالة الوزيرية.مرض الوزير في شوال سنه 380 هجرية فحزن عليه الخليفة وأخذ يرعاه حتى توفى في الخامس من ذي الحجة، فأمر الخليفة بعزاء كالأمراء والملوك، وخرج من القصرإلى داره في موكب صامت وصلي عليه بنفسه ووقف حتى تم دفنه وهو يبكي بدمع غزير واحتجب في داره ثلاثة أيام لا يأكل على مائدته. وصل ابن كلس في الدولة الفاطمية إلى أرف المناصب،

وكانت الخطوات الأولي التي وضعها ابن كلس السبب في ترتيب الأساتذه والدروس بالأزهر بطريقة منظمة ومستقلة، وازدهرت وترعرعت حتى تخرج منه أئمة فضلاء وشيوخ أجلاء خدموا الإسلام والمسلمين بالتأليف والتدريس حتى أصبح الأزهر مفخرة العالم الإسلامي عامة ومصر خاصة. ولقد عالجت هذه الجامعة الكبرى علوم الدين فيسرت سبلها وأكثر كتبها واهتمت بشؤون اللغة العربية، فهذبت طرقها وأصلحت شأنها، وبقيت على مدي الأجيال والقرون قائمة بعملها مضطلعة بمهماتها حتى وذاع صيتها وأمها الطلاب من كل فج، ليغترفوا من مناهلها ويستضيئوا بنورها وانحدرا إليها العلماء من كل مكان ليسهموا في النفع بها ونشر آثارها فازدهرت فيها أنواع العلوم والفنون وأمدت العالم الإسلامي بما هو في حاجة إليه.ولقد كان الأزهرالشريف منذ نشأته موضع عناية الخلفاء الفاطميين يتعهدونه بالعناية والرعاية، ويغدقون على من به من العلماء والطلاب العطايا والهبات ويذهبون إليه بأنفسهم للصلاة والإطمئنان على حاله ، مما كان له الأثر البالغ في حث الشيوخ والطلبة إلى التفرغ للعلم

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©