رشيد بين الماضي والحاضر
- اخبار , اقتصاد وصحة وتعليم
- 31 أكتوبر 2019
- d M Y
- 3502 مشاهدة
“رشيد” بيوت للأعيان بالماضي ومزار سياحي في الحاضر
كتبت:اسما فاروق
رشيد المدينة الباسلة ثاني المدن الأثرية بعد القاهرة، تحتضن مجموعة فريدة من العمارة الإسلامية تحمل الكثير من القصص التاريخية، تضم 38 موقع أثري، أهمهم البيوت الرشيدية التي تحمل جدرانها حكايات الزعماء والتجار والأعيان، وقصص الحب والرومانسية والسياسة، و تحمل أجزائها الداخلية والخارجية الطراز الإسلامي الفريد الذي لازال يحتفظ بذاته حتي الأن، في جولتنا القادمة سنرى قيمة هذه المدينة الساحرة التي ستتوج قريبًا على خارطة التراث العالمي لتكون مزار سياحي مفتوح.
من أشهر بيوت رشيد الذي يروى عنه الكثير من القصص والحكايات، منزل “زبيدة بنت البواب” السيدة الرشيدية التي تزوجت من قائد الحملة الفرنسية بعد أن وقع أسير حبها، وهى إبنة محمد عبد الرحمن الميزوني أحد أعيان رشيد، تزوجها مينو بالمحكمة الشرعية بالمدينة بعد أن اشترط أهلها اعتناقه للإسلام وتحول اسمه إلى عبدالله مينو، واستطاعت الرشيدية أن تأسر قلب القائد الفرنسي، وكيف لا وهي من جمعت بين الجمال والمال والأصل والحسب وعريق النسب، وقد كان هذا الزواج بمثابة الصفقة التى توجا فيها الحب بالسياسة داخل جدران هذا المنزل العريق الذي لازال قائم بذاته وجماله وطرازه الخاص.
ونجد أيضًا منزل حسين عرب كلي بك محافظ المدينة في النصف الأول من القرن الثانى عشر الهجري، وينفرد المنزل بواجهاته التي تطل على أربع شوارع رئيسية، وهو من أكبر البيوت في رشيد وأكثرها تميزاً فى الموقع والقيمة الأثرية، لذلك خصص ليكون متحفاً يروي تاريخ المدينة خلال العصر العثماني، ومن أكثرمعروضاته شهرة” نسخة مقلدة لحجر رشيد المحفوظ حالياً في المتحف البريطاني، كما يضم وثيقة زواج القائد الفرنسي مينو قائد القوات الفرنسية بمصر و زبيدة بنت البواب من نساء رشيد”، وغيرها من المعروضات التي تدفعك لضرورة زيارة هذا المنزل والمتحف الذي يحمل حكايات رشيد المدينة الباسلة.
و يجذبك أحد أهم البيوت بها “منزل علوان”، خير شاهد علي تجمع الزعماء ومنهم أحمد عرابي باشا الذي اجتمع بعلوان بك أكبر تجار رشيد، بعد أن تولى عرابي نظارة الحربية عام 1881 ميلادية، وتجد المنزل من الداخل تحفة معمارية تدل على فخامة وعراقة البناء.
ولا تستطيع أن تختتم جولتك داخل المدينة الباسلة قبل أن تمر بأحد أجمل بيوت رشيد تفردًا ورقي، بداخله تستمتع بأجمل الزخارف الإسلامية والطراز المعماري الفريد، الأول هو “منزل الأمصيلي”، أحد أهم بيوت رشيد الأثرية يحمل طابع خاص ومميز، شيده عثمان أغا الطوبجي عام 1223هـ – 1808م، أحد قادة الجيش العثماني في رشيد، وآلت ملكيته بعد ذلك إلى أحمد الأمصيلي.
أما المنزل الثاني فهو “منزل القناديلي”، لصاحبه حسين القناديلي الذي يمتاز بكثرة الزخارف الإسلامية في المدخل والشبابيك والمشربيات، وبالمرور داخله تجد الطراز المعماري الأصيل حيث مخازن الغلال وحجرات الإستراحة وقاعة المناسبات التي اعتادا كبار التجار والأعيان إقامتها داخل بيوتهم.
ويقول الدكتور مختار الكسبانى أستاذ الآثار الإسلامية، إن رشيد تعتبر ثانى أكبر المدن المصرية فى العمارة الإسلامية، وقد ازدهرت بعد أن خفق نجم مدينة الإسكندرية وطغت عليها مياه البحر، فدفع ذلك التجار إلى تشيد منازلهم في مدينة رشيد، لذلك نجدها عبارة عن تجمع من الفنادق أوالوكالات و البيوت وأفران ملحقة لإمداد الوافدين إلي المدينة بالغذاء، وعلى الجانب الأخر فقد أُنشئت المدينة بشكل سريع لذلك اعتمد بنائها على مواد محلية الصنع، مثل الطوب “المنجور” و يختلف فى شكله وصناعته عن الطوب المتعارف عليه، وتوضع بين الطوب مادة تسمى “الكحلة” تستطيع تحمل بخر البحر ونسبة الرطوبة العالية الموجودة هناك، كما استخدم في تلك البيوت أعمدة سبق استخدامها في آثار قديمة.
وأوضح الكسباني، أن هناك اختلاف في بيوت رشيد عن مثيلاتها فى القاهرة من حيث اختفاء الصحن الذي يتوسط الأرضية بسبب كثرة الأمطار، لذلك صممت بيوت رشيد من دور أرضي وهوالوكالة يليه طابق لأهل المنزل، وأما الدور الثالث فكان يخصص للحريم.
وأكد الكسباني، أنه بعد عمليات الترميم التى أجريت فى بيوت رشيد خصوصاً فى شارع دهليزالملك وباقى المناطق الأثرية، جاءت الفكرة في وضع هذه المدينة على “قائمة التراث العالمي” لتميزها المعماري، مما سيضع مشاريع الترميم القادمة بها تحت إشراف منظمة “اليونيسكو”، بإعتبارها الجهة الثقافية العالمية المشرفة على أعمال الترميم فى البلاد التى تخضع لقائمة التراث العالمي، مشيراً إلى أن بيوت رشيد تحمل العديد من القصص و اللمحات التاريخية لأصحابها و التي لازالت تحمل أسمائهم حتي يومنا هذا.
وتروي المصادر عن بيوت أثرياء رشيد من الداخل الكثير الذي يجعلك تستشعر التراث الإسلامي البديع بداية من نوافذها التي تغلق فتحاتها من الداخل بالزجاج ليخترق الهواء إلى داخل المنزل، ثم الحجرات التي تختلف تبعاً لإستخدامها ولدرجة ثراء مالكها فترصف العادية منها بمربعات من الطين المحروق، بينما حجرات الإستقبال الفخمة ترصف بالرخام، وتغطى الجدران بطلاء ناصع البياض، وتزين البيوت بأرائك موزعة بدائرة الحجرة عبارة عن مقاعد واسعة ومريحة إما من الخشب أو أقفاص من الجريد تغطيها أقمشة تتفاوت قيمتها حسب مكانة وثراء المالك، وتغطى شرفات النوافذ بأثمن الأقمشة.
أما العادات داخل البيوت فكانت غريبة بعض الشىء، فلا فراش في أي مكان بالبيت أثناء النهار، فينام الرجال والنساء على الأرائك أو مفارش تبسط على الأرضيات، وتنسدل ناموسية من الحرير الشفاف أو الكريب لتحمي النائم من حشرات الفراش أوالناموس، وتطوى هذه الأدوات في النهاروتوضع في صناديق.
وتنقسم بيوت الأثرياء من الداخل إلى جناحين الأول للرجال والأخر للحريم، فى الأول تجد الشبابيك مغلقة بمشربيات خشبية كبيرة المربعات بينما في جناح الحريم تجدها أصغر حجماً حتي لا يراهم المارة، فقد كانت النساء معتادات الجلوس خلفها، ونجد ببيوت رشيد مطابخ، حمامات، وأفران.
ويؤكد الدكتور أحمد مطاوع مدير تطوير المواقع الأثرية بوزارة الآثار، إنتهاء جزء كبير من عمليات التطوير التي تجرى في مدينة رشيد ويستكمل ترميم البيوت بشارع دهليز الملك، ضمن خطة اللجنة الوزارية التي سبق وشكلت برئاسة رئيس مجلس الوزراء لمشروع تطوير مدينة رشيد ورسم سياسات التنمية بها والتي تضم عددًا من الوزراء المعنين، تمهيداً لإعداد ملف كامل لإدراج المدينة على قائمة التراث العالمي، وجعلها متحف مفتوح.
وكشف مطاوع، عن الخطة المستقبلية للمشروع الذي سيكون رائد لبقية المدن المماثلة، وأن اللجنة المختصة به تقوم حاليًا بإعداد ملف كامل بثلاث لغات “العربية، الإنجليزية، والفرنسية”عن مدينة رشيد لتقديمه لمنظمة “اليونيسكوا” قبل تاريخ الإنعقاد القادم2020
أحدث التعليقات