قباب أسوان” تاريخ في باطن الأرض”جبانة أسوان” القباب المنسية
- اخبار , اقتصاد وصحة وتعليم
- 31 أكتوبر 2019
- d M Y
- 3261 مشاهدة
كتبت:اسما فاروق
أسوان الأمس هي الشاهد الأكبر على عظمة تاريخ القبائل الأوائل من أبنائها الذين سكنوا في دروبها واستوطنوا أراضيها، ولنا في ذلك خير دليل شاهد وهي قباب أسوان، التي لم تنل إلى الأن نصيباً من الإهتمام ولما تأخذ حقها من إستقبال الزائرين من المهتمين بهذا الجانب الثقافي والأثري، ولعل الكثير لا يعرف حقيقة هذا المكان وما يخفيه من تاريخ، فليست جبانة تخفي في حشاها الموتى، ولكنها تاريخ لقبائل، وحروب، وصراعات، وقصص تروي لنا كيف توغل الإسلام داخل هذه الأرض السمراء، وكيف كانت تحمى هذه البقعة مصر، حتي تدمير السيل لبعض القبور، وما تبعهُ من كارثة بأيدي الأجانب.
ذكرت العديد من المصادر والمؤرخين أن أسوان والمنطقة التي في شمالها حتى مدينة قوص بدأت أهميتها منذُ اللحظات الآولى من دخول العرب مصر و بداية العصرالإسلامي فيها، واهتم الجغرافيون والمؤرخون من العرب وغيرهم بسرد حلقات من تاريخها وقد زاد من أهميتها ميل العرب إلى السفر عن طريق البر إلى الحجاز ويقول المقريزي شيخ المؤرخين في ذلك “اسلك من أسوان إلى سيناء عيذاب على بحر القلزم ومنها إلى الحجاز واليمن والهند”.
أهميتها:
كما يذكر التاريخ أن أسوان كانت الجبهة الجنوبية للديار المصرية وكان ملك النوبة يغيرعليها وعلى الصعيد بين الحين والأخر وكان بها المركز العسكري للدفاع عن حدود مصرالجنوبية، فقد كانت بمثابة صمام الأمان حتى زالت الدولة الفاطمية فسارإليها ملك النوبة في 10 ألاف مقاتل ونزل في جزيرة أسوان.
غارات وحروب:
وكانت فيما مضى مسورة بسور هدمته قبيلة تسمى هوارة في أحد الحروب سنة 815 هجرية، وقتلوا وسبوا الكثيرين، وعند ربط العلماء لتسلسل الأحداث التي وقعت في عصر الولاة في منطقة أسوان والصعيد الأقصى من حيث القلاقل والفتن والغارات والحروب، وبين الظاهرة التي وجدت فيها من كثرة عدد مقابر الدفن.
كارثة شواهد القبور:
أما الكارثة الكبرى والتي أدت لعدم استطاعت العلماء تحديد تواريخ ومعلومات قاطعة لأصحاب المدافن، فهى التي تمت بعد السيل المدمر في المنطقة سنة 1886 ميلادية، وما قام به موظفى الأثارمن الإنجليز والفرنسيين عندما جمعوا شواهد القبور من الجبانات سواء كانت موضوعة على قبرمسه السيل أم لا، ثم كدسوا الشواهد فوق بعضها دون أن يعتنوا بتعيين الأماكن التي كان بها كل واحد منها كما تقضي أبسط قواعد علم الآثار، مما ترتب عنه قطع الصلة بين الشواهد وماعليها من تواريخ وبين القبور سواء التي ضاعت بفعل السيل أو التي ظلت قائمة.
وقد قام مجموعة من العلماء بعمل دراسة يعد هذه الواقعة، منهم العالم مونيريه دى فيلارد الإيطالي، وكريزويل، والدكتور فريد شافعى أستاذ العمارة الإسلامية، وأرّخوا مجموعة من القباب الموجودة فى الجبانة.
المشهد القبلي:
ومن المشاهد الهامة في أسوان المشهد القبلي، الذي أرجعه العديد من المؤرخون إلى العصر الفاطمي وتحديداً عصر بدر الجمالي قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الذي ذهب إلى الصعيد لإخضاعها، فمن المعروف أن الإسلام تسرب إلى النوبة المسيحية خلال العصر الفاطمي نتيجة ضغوط هجرة بعض القبائل إلى مصر، ومزاحمتهم للقبائل العربية التي استوطنت جنوب الصعيد فاضطروهم للنزوح جنوباً، وأخذ بعض المسلمون يشترون الأرضي ويقيمون في النوبة جنوب الشلال في القرن العاشر مما يؤكد إنتشارالإسلام هناك منذُ ذلك الوقت.
ويؤكد الإدفوي الكاتب والمؤرخ والفقيه، ظاهرة السياحة الدينية في مدينة أسوان في العصور الوسطى فيقول إنها كثيرة المزارات وأهمها المشاهد الحربية والقباب التي زخرت بها جبانة أسوان.
القبائل العربية:
كما تكشف الدراسات التاريخية لأسوان عن القبائل العربية المهاجرة من الحجاز واليمامة واليمن والتي كانت المقوم الأساسي لسكان المدينة ومنها “جهينة،بني كلب،الأزد،الأنصار،خولان،بنو النخع،مراد،لخم،نجيب،المعافر،الصدف،الكلاع،خزاعة،غافق،بنوجعد، ومن القبائل القحطانية قريش والطالبيون، الأشراف، الجعافرة، بني أمية، بنومخزوم، بنو زهرة، العامريون، البكريون، بنو هلال، بنو تميم، بنو الكنز، وغيرها”
وما يثبت وجود تلك القبائل، القبور التي عثر عليها بجبانة أسوان والتي تعتبر من الشواهد الأثرية الهامة لتوثيق هذه القبائل بمدينة أسوان، كما تعد أهم ثابت على الظواهر الاجتماعية والاقتصادية واللغوية المرتبطة بهذه القبائل، خصوصاً أن معظم الشواهد كانت لأبناء القبائل العربية التي استقرت في أسوان.
من أهم القبائل العربية التي صاغت تاريخ أسوان والنوبة في العصور الوسطى قبيلة البجة، و بني ربيعة التي عرفت ببني الكنز كان لهم دور بارز اجتماعياً وسياسياً، واستطاعوا إقامة إمارتين في العصر الفاطمي والمملوكي، ويرجع إليهم الفضل في نشر الإسلام ببلاد النوبة، وكشف الدكتور عبد الرحمن عبد التواب في أرض أحد القباب بالجبانة البحرية “جبانة العناني” عن شاهد قبرلأحد ملوك بني الكنز يدعى “عمر.”
مشاهد الأشراف:
وقد أوضح الأدفوى في كتاباته عن أسوان، أن هناك مكاتيب تضمنت أسماء بعض الأشراف وأعدادهم ممن قطنوا أسوان، وأنه عثر في الجبانة على شواهد قبور تؤكد دفن بعض الأشراف من آل البيت فيها، من بينها شاهد كتب عليه “اللهم إرحم أمتك بنت عبدك من أوليائك وبنت فاطمة الزهراء بنت نبيك ورسولك محمد صلوات الله عليه وسلامه أمنه بنت الحسن بن الحسن بن أحمد بن محمد إسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن عبدالله الباهر بن الإمام السجاد زين العابدين بن علي بن الإمام السبط الشهيد الحسين ابن الإمام المهدي المرضي علي بن أبي طالب المتوفاة سنه 484 هجرية كما أن هناك شاهد لشريفة رقية إبنة علي بن علي بن الحسن بن الحسين بن زين العابدين المتوفاه 495 هجرية.
كما زخرت أسوان بعلمائها، قضاتها، فقهائها، أهل العلم، الرواية، والأدب في العصور الإسلامية المختلفة، وكان لهم مكانتهم التي يحق معها إنشاء قباب على قبور بعضهم في إيطار التقليد السائد وقتها، ويجسد هذا تسمية إحدى قباب الجبانة بقبة قاضي الشريعة.
ورغم ما أصاب الجبانة من تدمير إلا أنها لازالت محتفظة بعدد كبير من المنشأت الجنائزية التي تصل إلى أكثر من خمسين أثراً والتي على قدر كبير من الأهمية فلا تزال تحتفظ بمعالمها علي عكس مثيلاتها في القاهرة التي فقدت معظم منشأتها الجنائزية التي ترجع للعصر الفاطمي.
أحدث التعليقات