الحديد والصلب..صرح عملاق.. وتاريخ لاينتهي علي مر الزمان
عرض :القيادي العمالي صلاح الانصاري
حول العقد رقم 7700 الخاص بإنشاء مجمع الحديد والصلب: إن تكاليف التوسع في صناعة الحديد والصلب (لإنتاج 2.5 مليون طن) كان مقدرًا لها أن تبلغ 207 مليون جنيه، وإذا كان هذا التوسع يستلزم عديدًا من المشروعات المكملة والمرافق، فإن التكاليف النهائية ترتفع إلى 331 مليون جنيه. وقد تولى الاتحاد السوفييتي مسئولية التوريد والإنشاء والتمويل الأجنبي؛ ومن الأمور المسلم بها دوليًّا، أن مستوى الاتحاد السوفييتي في هذه الصناعة بالذات في مقدمة الصفوف، سواء من حيث الحجم الكلي للإنتاج، أو من حيث مستوى التطوير التكنولوجي.
وفي تجربة بناء مصانع الحديد والصلب خارج الحدود، كان تفوق المثال السوفييتي في باهيلاي في الهند ذا شهرة تُماثل شهرة السد العالي.وأكد كافة الفنيين المصريين الذين عاصروا وشاركوا في الاتصالات الدولية، وفي المباحثات مع السوفييت، حول العقد رقم 7700 الخاص بإنشاء مجمع حلوان للحديد والصلب، وأكد الذين أشرفوا على التشغيل، أنه صاحبت الاتصالات والمباحثات دراسات مقارنة مكثفة قام بها الجانب المصري، وعلى ضوء هذه الدراسات والتجربة العملية، شهد الجميع بأن الجانب السوفييتي أمد مصر بأحدث وأكفأ المعدات.
يقول عبد العزيز كمال (كان يشغل منصب رئيس الجهاز التنفيذي لمجمع الحديد والصلب): “لقد تعاونا مع الجانب السوفييتي في وضع البرامج، وفي الاتفاق على تفاصيل التوريدات المطلوبة، واتفقنا أيضًا على انتداب خبراء سوفييت بالكفاءات والأعداد المناسبة.
وحسب خبرتنا، فإنني أشهد بأنهم يمدوننا بأحدث وأعظم ما لديهم من معدات وخبرات.. والاتحاد السوفييتي من أكثر بلاد العالم تقدمًا في صناعة الحديد والصلب، والخبراء السوفييت يعطون كل معلوماتهم وخبراتهم بسخاء.
أرسل السوفييت أعظم خبرائهم ، لم يبخلوا في تزويد مصر بقمة الخبرات السوفييتية في مجال الحديد والصلب. “سيتسكو” كان كبير الخبراء السوفييت في جانب الإنشاء. وهذا الرجل (وكان قد تجاوز الستين) سبق أن أقام عديدًا من المجمعات التي يزيد حجم الواحد منها عن مجمع حلوان عدة مرات؛
وينبغي أن نضيف على ضوء هذا، أن قرار ندبه للعمل في حلوان لم يكن قرارًا سهلاً بالنسبة للاتحاد السوفييتي، نظرًا لخبرته النادرة، ولحجم مسئولياته هناك، وقد تحدث عبد العزيز كمال عن سيتسكو فقال “والله لو كان مصريًا لما كان قلبه حامي على الشغل بهذا الشكل”.
وفي جانب التشغيل كان بونيفيتش كبير الخبراء السوفييت لشئون الإنتاج. وبونيفيتش (45 سنة) كان قبل قدومه إلى حلوان مديرًا لواحد من أكبر مجمعات الحديد والصلب في الاتحاد السوفييتي لسنوات طويلة، وروعي في اختياره للمساعدة في تشغيل مجمع حلوان، أن المجمع الذي عمل مديرًا له يشبه شركة الحديد والصلب المصرية إلى حد كبير؛
حيث يتجاور جزء قديم مع توسعات جديدة ضخمة.وتذكرنا مسألة تجاور جزء قديم مع توسعات جديدة بمقارنة يتجاهلها دائمًا هواة الحط من مستوى التكنولوجيا السوفييتية، ففي صناعة الحديد والصلب بالذات، تصادف أن مصر خبرت تعاونًا في البداية مع ألمانيا الغربية؛ حيث استندت الحكومة المصرية إلى تجهيزات وخبرة شركة ديماج الألمانية الغربية، بل إن هذه الشركة شاركت بـ 20% من رأس مال شركة الحديد والصلب المصرية.
(وكانت أول مشروع متكامل في مصر في هذا المجال – رأسمالها 19 مليون جنيه – الإنتاج 250 ألف طن) ومعروف أن إنشاءات شركة الحديد والصلب بدأت عام 1956، وبدأ تشغيل المرحلة الأولى في يوليو 1958، وبالتالي ليس مقصودًا أن يقارن المستوى التكنولوجي الذي قدمته ديماج في الخمسينيات بما قدمه السوفييت بعدما يقرب من عشر سنوات، فهذه مقارنة ظالمة، ولكننا نقارن المستوى التكنولوجي الذي استخدمته ديماج بما كان سائدًا في الغرب في الفترة نفسها،
ويؤكد الفنيون المصريون أن التجهيزات التي زودتنا بها الشركة الألمانية الغربية كانت من النوع المستخدم قبل الحرب العالمية الثانية؛ أي من طراز ما قبل الثلاثينيات.
نضيف إلى هذا أن مصنع الحديد والصلب الذي أنشأته ديماج لم يعمل بكفاءة منذ تشغيله. ويقول عزيز صدقي (الرئيس السابق لمجلس الوزراء – والمسئول الأول سياسيًّا وفنيًّا عن نهضة قطاع الصناعة في الستينيات) أنه استدعى بعض الخبراء الأمريكيين، “وأقاموا في مصر لمدة عام كامل، لكي يساعدوا في تشغيل الفرن، ولكنهم لم ينجحوا في رفع كفاءة التشغيل ولو بمقدار طن واحد. وأخيرًا أحضرنا خبراء من الاتحاد السوفييتي، فارتفع الإنتاج خلال سنة إلى طاقته الكاملة. هذه هي الخبرة السوفييتية.
ويؤكدها أيضًا مجمع الحديد والصلب الذي يعمل بطاقته الكاملة دون أي مشاكل. إن الحديث عن تخلف الصناعة والخبرة السوفييتية ليس سوى دعايات غربية ، كيف كانت أسعار التوريدات في مجمع الحديد والصلب؟
هل غالى السوفييت في رفع الأسعار؟
من الثابت أن الجانب المصري وقع مع الجانب السوفييتي العقد 7700 في سبتمبر 1964، وكان عزيز صدقي وزيرًا للصناعة، وحسب روايته “كانت قيمة التعاقد 156 مليون روبل، أو حوالي 165 مليون دولار. وكان هذا السعر أقل بكثير من مثيله من أي شركة غربية”، وحتى لو افترضنا أنه ساوي السعر الغربي، كما يقول عزيز صدقي، فإن شروط التعامل مع الغرب في ذلك الوقت كانت تقضي “بأن ندفع فورًا حوالي 25% من الثمن ونقسط الباقي سنويًا بفائدة 6%” في حين أن القرض السوفييتي يسدد بعد بدء الإنتاج على 12 سنة، وبفائدة 2.5% فقط..
المهم كان المشروع مدرجًا ضمن إطار الخطة الخمسية الثانية (65/1966 – 69/1970)، ولكن حدث أن ترك عزيز صدقي منصبه، وسط سياسة تدعو إلى خفض معدلات التنمية، وِفْق توصيات تقليدية لصندوق النقد الدولي ؛ فتحول مشروع الخطة الخمسية الثانية إلى مشروع لخطة سبع سنوات، وارتبط بكل ذلك تأجيل البدء في تنفيذ مجمع حلوان، وحين عاد عزيز صدقي إلى المسئولية الوزارية بعد يونيو 1967، عاود الاتصال بالاتحاد السوفييتي لإحياء التعاقد القديم. كانت الأسعار قد ارتفعت كما هو معروف.
وقالوا لي ليس من المعقول أن نتعاقد بأسعار 1964. ولكن بعد أن شرحت ظروفنا وافقوا على الفور. وأقول بصراحة لو أنهم كانوا طلبوا 10% زيادة على السعر القديم لكان لهم كل الحق، ففي العرف التجاري العالمي هناك شرط معروف في أي اتفاقية ينص على أن المشتري يتحمل أي زيادة تطرأ على السعر عند الاستلام، لكنهم لم يلجئوا إلى هذا الأسلوب معنا.
المصدر : عادل حسين – الاقتصاد المصرى من الاستقلال الى التبعية
أحدث التعليقات