معايير ربحية الاستثمار
- برلمان وسياسة واحزاب , مقالات
- 15 أغسطس 2019
- d M Y
- 2717 مشاهدة
إن «معايير» الاستثمار التي تعتمد على احتساب ربحية المشروع، أو عائداته، هي المعايير المتبعة في اقتصاد السوق وفي أعمال قطاع «الاستثمار الخاص» أينما وجد، بيد أن للاستثمار في الاقتصاد الموجه «معايير» أكثر شمولاً، إذ تتركز السياسة الاستثمارية على مناهج مترابطة تفي بآن واحد بالأغراض الاقتصادية والاجتماعية للبلد بكامله. وفي البلدان النامية حيث تفرض طبيعتها الخاصة «معايير» محددة،
فإن قرار الاستثمار لا ينحصر بالضرورة بمعيار ربحية المشروع الواحد. فحكومات تلك البلدان التي توجه استثماراتها لتحقيق أعلى نسبة ممكنة من الزيادة في دخلها القومي في مدة زمنية معينة تسعى غالباً لتذليل مشكلات اقتصادية خاصة بها ولتحقيق رؤية أو أهداف اجتماعية ترغب فيها.
وعليه، فعند إعداد البرامج الاستثمارية في البلدان النامية توجه الدولة اهتمامها للاستفادة المثلى من عناصر الإنتاج الأساسية والموارد الاقتصادية المختلفة، وغالباً ما تتصدى للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الرئيسة الخاصة بها ولتذليل الاختناقات الناتجة عن ذلك. وينعكس ذلك كله على طبيعة «المعايير» الاستثمارية الواجب اعتمادها فتختلف «المعايير» الملائمة بين حالة وأخرى ومن زمن إلى آخر.
وثمة محاولات مماثلة كثيرة تتعلق بعوامل تنموية متنوعة، إلا أن للاستثمار في البلدان النامية طبيعة ودوافع وانعكاسات تختلف عمّا له في البلدان المتقدمة اقتصادياً. ثم إن لكل من البلدان النامية أوضاعها الخاصة وخصائصها المميزة،
وهنالك تغاير في الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين بلد وآخر من تلك البلدان أو اختلاف في أفضلياتها. كل ذلك مما يجعل من المتعذر تحديد «معيار» استثماري أوحد يصلح لأي بلد وكل زمن ولكل مرحلة من مراحل التطور.
ففي حال احتساب «القيمة الحالية» للمشروع يجري حسم توقعات الكلف الرأسمالية للاستثمار الجديد بالفائدة المصرفية الجارية كما يجري في الوقت نفسه حسم تدفقات الدخل المتوقع من المشروع بالفائدة المصرفية نفسها، الأمر الذي يعطي القيمة الحالية لهذين التدفقين في المدة الزمنية للمشروع، ومن ثم تُجرى مفاضلة بينهما. فإذا كانت القيمة الحالية للمردود أعلى من القيمة الحالية للتكلفة فإن المشروع يعد مربحاً.
أما فيما يتعلق بمعيار «الكفاية الحدية لرأس المال» فإنه يتم استعمال ذاك المعدل للحسم الذي يجعل القيمة الحالية للدخل المتولد من المشروع مساوية لمجمل كلفة المشروع، ومن ثم يقارن ذاك المعدل بالفائدة المصرفية الجارية، فإذا كان المعدل المذكور أعلى من نسبة الفائدة المصرفية السارية فإن المشروع يعدّ مربحاً.
أنواع الاستثمارات
إضافة إلى النوعين الرئيسين للاستثمار اللذين ينطلقان من الجهة التي تملك أصولهما، وهو الأمر الذي تمت الإشارة إليه آنفاً عند الكلام على «الاستثمار العام» و«الاستثمار الخاص» بشقيه الفردي والجماعي، فإنه يمكن أيضاً التفريق بين أنواع الاستثمارات وفقاً لعدد من الخصائص الأخرى. فهناك «استثمار تلقائي» autonomous investment و«استثمار مستحث» induced investment.
فالأول هو الذي يتقرر بصورة مستقلة عن المؤثرات الاقتصادية القائمة كمستوى الدخل العام أو معدل الاستهلاك، وهو غالباً ما يتقرر نتيجة إيجاد سلعة جديدة أو استحداث طرائق وأساليب إنتاجية غير تقليدية أو يكون ناجماً عن متغيرات اجتماعية أو نفسية أو سياسية غير مرتبطة بصورة مباشرة بالمعطيات الاقتصادية. أما «الاستثمار المستحث أو المحرّض» فهو الذي يعتمد كلياً على الأوضاع والعوامل الاقتصادية القائمة والمتوقعة والذي يقدم عليه المستثمر بدافع المنفعة المادية المباشرة.
ومن الممكن التفريق بين أنواع الاستثمارات وفقاً للمدة الزمنية للاستثمار، وهو أمر اعتباري يختلف بين قطاع وآخر، فهناك استثمارات آنية تؤتي أكلها في بضعة أشهر كناتج الموسم الزراعي الواحد أو تركيب آلة منتجة من بضع قطع سبق أن تم تصنيعها أو استيراد جهاز يوضع مباشرة في التشغيل الإنتاجي،
وهناك استثمارات قصيرة الأمد يراوح زمنها بين عام واحد وثلاثة أعوام (ويصل أحياناً إلى خمسة أعوام) كإشادة بناء أو استصلاح أرض أو تأسيس مصنع أو إقامة مرفق، وهناك استثمارات طويلة الأمد يراوح زمنها بين خمس وعشر سنوات (وأحياناً أكثر) كمشروعات التشجير وإنتاج الأخشاب أو إقامة السدود المائية الضخمة أو برامج استحداث تقانات جديدة بما في ذلك من أعمال البحث العلمي والتصميم ثم التطبيق العملي إنتاجياً.
كذلك يمكن التفريق بين أنواع الاستثمارات وفقاً للقطاع الإنتاجي الذي يجري فيه الاستثمار، كالاستثمارات الزراعية أو الصناعية أو العقارية أو الخدمية أو التقنية.
ثم إنه يمكن أيضاً التفريق بين أنواع الاستثمارات تبعاً لدرجة المجازفة التي يقدم عليها من يتولى الاستثمار، وهنا غالباً ما يكون عائد الربح مرتبطاً طردياً بدرجة المخاطرة. والمجازفة تكون على أنواع، فهناك دائماً خطر عدم القدرة على تحقيق معدل الربح المنشود، وهذا أمر له أبعاده عندما يكون رأس المال أو جزء منه مديناً. وهناك خطورة الإفلاس التام وضياع رأس المال.
ثم إن المجازفة في وجه المخاطر يمكن أن تكون لأسباب اقتصادية أو فنية تتعلق بالمشروع نفسه أو تكون نتيجة لأوضاع ومتغيرات اقتصادية عامة خارج نطاق المشروع وإذ ذاك لا يكون للمستثمر أية قدرة للتأثير فيها، مثل انعكاسات التقلبات والدورات الاقتصادية أو سياسات الدولة وإجراءاتها الجديدة أو تبدلات السوق العالمية أو الحالات الطارئة من كوارث وحروب وغيرها..
ثم إن بعض المجالات تتصف بوجود خطورة كامنة فيها كصناعة الكيمياويات السامة أو الملتهبة أو كإشادة منشآت في أماكن خطرة مثل منصات حفر آبار النفط في أعالي البحار وغيرها. لذلك كله فإن من يقدم على استثمارات كهذه لا يرضى بالحد المتوسط من عائدات الربح بل يكون مستوى أرباحه متناسباً مع درجة خطورة مجازفته.
كذلك يمكن التفريق بين أنواع الاستثمارات تبعاً لكونها «مباشرة» أو «غير مباشرة». فالأولى هي التي يجريها صاحب المال بنفسه، بيد أنه إذا كانت ادخاراته قليلة أو درايته محدودة أو أحواله مانعة فإنه يلجأ للاستثمار «غير المباشر»
وذلك بشراء أسهم في مشروعات استثمارية جديدة أو بالاشتراك في برامج استثمارية جديدة حيث يكون للمشروع أو للبرنامج إدارة متخصصة ترعى حسن تنفيذه وتشغيله وتقوم بتوزيع أرباحه السنوية على المساهمين.
وفي المجتمعات الرأسمالية، حيث توجد أسواق للأسهم وللأوراق المالية وحيث توجد أعداد كبيرة من الشركات التي تقوم بطرح أسهمها في تلك الأسواق لم يبق باستطاعة المدخر العادي أن يعرف السبيل الأفضل للاستثمار أو أنواع الأسهم التي تلائم حالته وتفي بغرضه.
إذ إن متابعة دقائق تقلبات أسواق المال وتطورات أوضاع الشركات المختلفة والكثيرة بات يحتاج إلى أجهزة متخصصة ذات دراية عالية لتتمكن من الإحاطة بالتفاصيل ومواكبة سرعة حركة المتغيرات. لذلك ظهرت «شركات الاستثمار»،
ومؤسسات مالية ومصرفية متخصصة، وجرى استحداث «صناديق استثمار»، و«برامج استثمارية» مستقلة أو مرتبطة ببيوتات مالية،
وباتت كل هذه المؤسسات ومثيلاتها تؤدي للمستثمر العادي الخدمات التي يحتاج إليها والتي يكون غير قادر على القيام بها بنفسه.
وبات بعض هذه المؤسسات يطرح أسهمه الخاصة للبيع فيقدم المستثمر على شرائها فتقوم المؤسسة بدورها باستثمار الأموال المتاحة بشراء أسهم أخرى لشركات مختارة ومتنوعة من أسواق الأسهم والأوراق المالية.
وإضافة إلى كل هذه الأنواع من الاستثمار فإنه يمكن التفريق بين أنواع الاستثمارات وفقاً للدوافع الخاصة للمستثمرين. فحين يندفع بعضهم للاستثمار من أجل زيادة دخولهم العادية والدورية بهامش إضافي يتأتى من ربح الاستثمار،
يقوم آخرون باستثمار ادخاراتهم متوخين الأمان إن كان في وجه الطوارئ أو متطلبات الشيخوخة أو لاستباق آثار التضخم ومنع تلاشي قيم ادخاراتهم مع الزمن، ثم هناك من يستثمر عن طريق الاشتراك في المشروعات السكنية وثمة من لا يستثمر إلا بالوسائل التي تضمن له جاهزية ماله سائلاً عند أول طلب.
كذلك توجد دائماً فئة من المستثمرين تتصف استثماراتهم بالمغامرة الهادفة إلى الثراء السريع. وأخيراً، يمكن التفريق بين أنواع الاستثمارات تبعاً لمورد رأس مالها، فهناك استثمارات داخلية تتولد من ادخارات تنشأ داخل البلد المعني
وهنالك استثمارات خارجية تنشأ نتيجة لتحويل رؤوس أموال من بلد أجنبي أو من جهة خارجية إلى البلد المعني لتستثمر فيه فتنعكس نتائجها على دخله القومي. والاستثمار الخارجي يمكن أن يتم إما بوساطة الحكومات فيكون رسمياً وإما بوساطة أفراد أو شركات فيكون خاصاً.
الاستثمار والتوظيف
إذا كان ما تقدم يمثل عرضاً موجزاً عن ماهية «الاستثمار» بالمفهوم الاقتصادي، فإن هناك استعمالاً آخر لهذه الكلمة وهو الاستعمال الشائع الذي يتناقله الناس فالشخص العادي غالباً ما يطلق عبارة «استثمار» على أي عمل يحرك فيه رأس مال لديه فيعود عليه هذا التحريك بزائدة أو بفائض فوق رأس ماله الأصلي.
ولما كان علم الاقتصاد قد حدد مفهوم «الاستثمار» وبيّن طبيعته وخصائصه بوجه دقيق، فإن المعنى الشائع للاستثمار هو أقرب ما يمكن لأن يطلق عليه مصطلح «توظيف».
إن الفرق الجوهري بين «الاستثمار» و«التوظيف» يكمن في نوعية الأصول التي تمتص المال المدخر (أي ذلك الجزء من الدخل الفردي الذي لا ينفق على الاستهلاك).
فإذا أنفقت الادخارات الفردية على بناء أو تكوين أصول ثابتة جديدة وأدت إلى زيادة حقيقية في الإنتاج فهي «استثمار»، أما إذا جرى استبدال الادخارات بأصول قائمة غير جديدة فهي بالمفهوم الاقتصادي تؤلف استثماراً ويمكن أن يطلق عليها اسم «توظيف».
وهكذا فإن التوظيف لا يعدو كونه استبدالاً برأس مال معين رأس مال من نوع آخر سعياً وراء نفع مالي غالباً ما يتمثل بفائض فوق رأس المال السائل الذي جرى استبداله، ويمكن أن يؤول النفع إلى صاحب المال فور إجراء التوظيف أو أن يتقاضاه على دفعات طول المدة الزمنية للتوظيف وذلك وفقاً لطبيعة الأصول التي جرت مبادلتها.
فمثلاً، إن إشادة بناء أو مرفق جديد يعد استثماراً، أما شراؤه بعد ذلك من شخص آخر فيعد توظيفاً. كذلك، فإذا ما قام شخص بشراء قطعة أرض من شخص آخر فإن عمله يعدّ توظيفاً، أما إذا أقدم الشخص نفسه على استصلاحها أو على زراعتها أو على تطوير إنتاجها أو تحسينه بأية طريقة كانت فإن عمله يصبح استثماراً.
كذلك هو الأمر في حال شراء آلة إنتاجية معينة أو مصنع كامل، فإذا أقدم شخص على شراء آلة قديمة أو مصنع قائم فإن عمله لا يعدّ استثماراً بالمفهوم الاقتصادي بل هو توظيف لا يعدو كونه تبادلاً في الملكية.
وقياساً على ذلك، فإن شراء أسهم أو سندات لا يعدّ استثماراً إلا إذا كانت هذه الأسهم أسهماً جديدة (أي لمؤسسات محدثة)، أما إذا كانت أسهماً قديمة فتعدّ توظيفاً، لأنها انتقلت من يد مالك يرغب في اقتناء مال سائل عوضاً عنها إلى يد مالك لديه رغبة في اقتنائها بمقابل مال سائل يملكه وهي لا تؤدي إلى زيادة حقيقية في الإنتاج العام. وتعدّ الآن أسواق الأوراق المالية والقطاع المصرفي في المجتمعات الرأسمالية بمنزلة الأقنية التي تتم بوساطتها معظم عمليات الاستثمار والتوظيف.
بقلم :الدكتور عادل عامر… دكتور القانون العامونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العربوعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسانمدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعيةمستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
أحدث التعليقات