رئيس التحريرأميرة عبدالله

موقف مصر من العدوان التركي علي سوريا

موقف مصر من العدوان التركي علي سوريا

بقلم الدكتور عادل عامر دكتوراه في القانون العام

فاجأ الإجماع العربي المندد بالهجوم الواسع الذي بدأته أنقرة مساء الأربعاء على شمال سوريا، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فالرجل الذي طالما استدعى عداءات مجانية مع الدول العربية بتدخلاته السافرة في شؤونها وباصطفافه في المحور القطري الإيرانيلان الأهداف التركية المعلنة من العدوان على سوريا هو إبعاد قوات الأكراد من على حدودها المباشرة بهدف منعهم من تشكيل دولة كردية على حدودها، وثانياً توفير مكان لترحيل مليوني لاجئ سوري لدى تركيا،ومن المؤكد أن هناك أهدافاً غير معلنة من الحرب على سوريا تتعلق بتوفير مساحة للجماعات الإرهابية المتطرفة مثل تنظيم داعش لالتقاط الأنفاس بعد الضربات التي وجهت إليهم. لان “العدوان التركي على سيادة وأراضي سوريا يمثّل تطوراً خطيراً يهدد الأمن والسلم الدوليين ويفاقم الأوضاع المتأزمة في المنطقة، ويؤثر على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية”.يبدو التّدخل العسكري التركي الأخير في عملية “درع الفرات” خطوة اضطرارية متأخرة في وقتها قياساً إلى سرعة التطوّرات التي شهدها الشمال السوري على حدود تركيا الجنوبية، والتي تمثّل تهديداً حقيقياً غير مسبوق للأمن القومي التّركي، و يُقيّم هذا التّدخل على أنّه خطوة دفاعية استباقية لا بدّ منها لحماية وحدة وأمن البلاد على المدى البعيد،وذلك على الرّغم من وجود مخاطر وتحديات عديدة تحفُّ العملية، في المقابل، تمتلك أنقرة عوامل نجاح متميّز لعمليتها نظراً لوجود القبول الشعبي السوري، ووجود مصالح مشتركة واضحة وارتباط عضوي مع قوى المعارضة السورية ذات النفوذ الأكبر في الشمال السوري خاصّة، وذلك بعد أن حيّدت أنقرة أهمّ المعادين لهذا التّدخل على المستوى الدّولي والإقليمي او تزعم أنقرة أنها تريد تأسيس «منطقة آمنة» على الحدود مع شمال سوريا تفصل مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد عن الحدود التركية وتسمح بعودة نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري فروا من الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات. لان العملية العسكرية التي تقوم بها تركيا حالياً ستؤدي إلى مزيد من الفوضى والتوتر في المنطقة، ما يفتح المجال لعودة تنظيم «داعش» الإرهابي مرة أخرى.والجدير بالذكر أن هذا ثالث هجوم تشنه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أول في عام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وفي عام 2018 سيطرت على منطقة عفرين في شمال سوريا.لان “تلك الخطوة تمثل اعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة استغلالا للظروف التي تمر بها والتطورات الجارية وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي”. و على مسؤولية المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن، في التصدي لهذا التطور بالغ الخطورة الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، ووقف أية مساع تهدف إلى احتلال أراض سورية أو إجراء “هندسة ديمغرافية” لتعديل التركيبة السكانية في شمال سوريا. لان هذا سوف يؤثر علي وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، أو مسار العملية السياسية في سوريا وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.ودعمه لجماعات الإسلام السياسي التي باتت مرفوضة شعبيا على نطاق أوسع مما يعتقد هو (أردوغان)، لم يكن يتوقع موقفا عربيا مماثلا من العدوان على المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الأكراد، مراهنا على الأرجح على رفض العرب لممارسات النظام السوري.ويبدو أن أردوغان قرأ الموقف العربي المعارض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد خطأ واعتقد أنه يمكن الاستثمار في ذلك الموقف بما يتيح له التمدد أكثر في الأراضي السورية بلا رادع. ولم يعد خافيا على أحد أن التدخل التركي في الحرب السورية تحت مسميات الأمن القومي لتركيا ومكافحة الإرهاب، كان بالأساس مدفوعا بأطماع توسعية وبوهم استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية وانتزاع زعامة واهية في العالم الإسلامي.لكن موقف جامعة الدول العربية المندد بشدّة بالعدوان التركي السافر على وحدة وسيادة سوريا شكل انعطافه في الموقف العربي واستدارة للساحة السورية في مواجه الاندفاع التركي، فيما تبقى آلية مواجهة هذا العدوان الأمر الأكثر إلحاحا والذي يستوجب موقفا موحدا وعودة عربية للساحة السورية حتى لا تبقى فريسة للتمدد التركي والتغلغل الإيراني. أن هذا العدوان يعرقل الحل السياسي في سورية ومن شأنه أن يزيد معاناة المدنيين والتسبب بالمزيد من النزوح، لان العدوان يوفر أرضية خصبة لتنظيم “داعش” الذي لا يزال يشكل تهديداً كبيراً للأمن الدولي والإقليمي والأوروبي. فقد ألقت عملية التطهير العرقي التي يقوم بها النظام التركي بحق العرق الكردي الذى يعد أحد المكونات الأساسية للشعب السوري شمال سوريا، الضوء على هذه القومية التي تعرضت لمعاملة قاسية على يد السلطات التركية، وعاشت في صراع متجذر بعد أن همشتهم القومية التركية الأتاتوركية وطمست هويتهم وتم تصفيتهم وملاحقتهم بعد أن طالبوا بحق إقامة دولة مستقلة تحميتهم من بطش تركيا، وكان الرد هو إبادتهم وملاحقتهم أيا كانوا سواء في العراق أو سوريا أو داخل تركيا، ويعد العدوان التركي على سوريا فصل جديد من فصول المساعي التركية للقضاء على الفصيل الكردي في المنطقة وحتى هذه الساعة اعترف أردوغان بتصفية 109 منهم.يتخوف النظام التركي من الوجود الكردي المتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والعمال الكردستاني أكثر من داعش التي يمنح لعناصرها ملاذ آمن في الداخل، ويفتح لهم أراضيه ويسخر بوابات حدوده لتسهيل عبور مقاتلي ومرتزقة التنظيم الإرهابي للقتال في سوريا، حيث يمثل الأكراد حوالى 15 أو %20 من سكان تركيا.واعتبر النظام التركي أن قيام أي كيانات كردية على حدوده خط أحمر، إذ يعتري أردوغان رعب من تحركات العمال الكردستاني في العراق والاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا، وهو ما يجعله دائم التذرع بتوجيه ضربات إلى المقاتلين الأكراد، واعتبارها منظمات إرهابية، فتارة يعلن عن قصف داعش، وأخرى تطهير الحدود من التنظيمات الإرهابية، لكن في كل مرة يعلن فيها أردوغان توجيه ضربات إلى داعش يضف إليها شن عمليات عسكرية ضد “الأكراد”. عاش الأكراد صراعا ذو جذور تاريخية مع الدولة التركية منذ مرحلة أتاتورك، وبعد وضع المبادئ العامة في الدولة التركية أصبحت القومية التركية القومية السائدة وتم تهميش العرق الكردي، وحاولت السلطات طمس هويتهم ومنعهم من استخدام لغتهم الأم وتم تغير ديمغرافية مدنهم وتتريك أسمائها، ورفضت السلطات التركية الاعتراف بهم. وتعتزم الحكومة التركية إرسال مليوني لاجئ سوري، من أصل 3.6 مليون لاجئ داخل أراضيها، إلى “المنطقة الآمنة”، ويمكن أن يؤدي الهجوم إلى تشريد أكثر من 300 ألف شخص يعيشون في المنطقة، والذي يعد انتهاكًا مرفوضًا لقواعد القانون الدولي واعتداء على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.ويعتقد أنّ الهجوم، وهو ثالث عملية عسكرية تركية في شمال سوريا في ثلاثة أعوام، سيركز في بادئ الأمر على مئة كيلومتر، تمتد بين تل أبيض ورأس العين، وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة ومعظم سكانها من العرب. أن الكرد كانوا رأس الحربة التي كافحت داعش نيابة عنهم، وهم نزفوا وتكبدوا خسائر بسبب ثقتهم بالشراكة التي أقاموها مع الولايات المتحدة، غير أن أمريكا خانتهم،بناء على ما ذكر، أنجزت “وحدات الحماية” الكثير في ما يتعلق بمشروعها الانفصالي، وبقيت مسألة السيطرة على المنطقة الاستراتيجية الواقعة غرب الفرات كخطوة أخيرة لاستكمال تحقيق الاتّصال الجغرافي بين كانت وناتها الثلاث،وهو الأمر الذي أعلنته أنقرة كخط أحمر، والجدير بالذّكر، أنّ أنقرة تحدثت كثيراً عن مشروعها الذي يقتضي جعل المنطقة غربي نهر الفرات منطقة آمنة وخالية من الإرهاب، وتقصد أنقرة بالإرهاب كل أنواعه العابرة للحدود، المرتبطة بتنظيم الدولة أو بوحدات حماية الشعب” الانفصالية المرتبطة بحزب العمال الكردستانيكما تراها أنقرة، لكنّ الإدارة الأمريكية وحلف الناتو لم يدعموا خيار أنقرة المتعلق بالمنطقة الآمنة، الأمر الذي جعل حسابات أنقرة تميل إلى ترجيح كفة عدم التورط في المستنقع السوري منفردة، مع تكثيف العمل من وراء الحدود على حماية الأمن القومي التركي ومنع وصول وحدات الحماية لمنطقة غرب الفرات.

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©