رئيس التحريرأميرة عبدالله

من كان يدري “ياهيثم” ماذا تخبيء الايام لك…!!؟

من كان يدري “ياهيثم” ماذا تخبيء الايام لك…!!؟

بقلم: الدكتورة أميمة منير جادو

رحيل يورث صدمة فرحيل آخر مباغت لأب صنع شهرة فاقت الآفاق…فرحيل اخير منزويا في ثلاجة تبحث عمن يتسلم الجثمان…والناس مازالت تتساءل : ترى لمن كل تلك الثروة والكنوز..
وينقطع السلسال للأبد ..فلا وريث لك يا أحمد..ولا حفيد ..
وهاتي يا دنيا ماعندك..
ما أشبه الليلة بالبارحة ..مع قسوة البارحة اكثر حين تقتلنا المحبة في الصميم. ..
كلنا راحلون وتلك سنة الحياة نعم..
ولسوف تتساقط اوراق شجرة الحياة تباعا ..كل بدوره..لا يستقدمون ساعة او يستأخرون..لنقر بالواحد الأحد..ولنقف امام الديان الاعظم.
ولينتصب ميزان العدل وتمتد شعرة السراط المستقيم.
ترى كم منا ومن هم ..القادرون على اجتياز تلك الشعرة…
انا شخصيا لا اثق بذاتي..فكم من تقصير مهما حاولنا…
وتقتحمني البارحة ..بعنف ولا رحمة..
فأرى ياسر الشاب المهذب الخلوق يسقط صريعا من شرفة غرفة نومه ..الغال ابن الغالية …
ولينته كل شيء في لحظة ..
ونفجع جميعنا فيه لا نصدق الخبر المنشور عبر الواتس والفيس بوك
تلك فجيعتنا وما اعظم فجيعة أمه وابيه…لم يصدقا ..هكذا كان وقع الصدمة ..
ومن حولهم يتقاتلون ويتساءلون راح ياسر الوحيد ..لا اخ ..لا اخت..راح الشاب المهذب الخلوق…
تاركا زوجة وطفلين..وأم ثكلى لا ولم ولن تنسى ..واب زاهل لا يستوعب الصدمة ولا يتقبل كلمة عزاء..
من فينا بكل مآسيه يعادل حجم تلك الكارثة …رحيل الضنا على حياة عين ابويه..وهو وحيدهما…
وما موقع تلك العبارة من الإعراب بعد رحيله :
( كل شيء لياسر..الشقة ..السيارة..العمارة…
وأي شيء.. وكل شيء…كله لياسر ..فأين ياسر ؟! )
ما اشبه الليلة بالبارحة…
كأن الحزن بحر بلا نهاية ..كلنا غارق فيه…يجذبنا موجه العالي فندخل رغما عنا..ونظل نصارع الامواج..
ما اشبه الليلة بالبارحة
حين صرخت بي بنت خالي عبر الهاتف على غير عادتها : الحقيني يا ابلة أميمة ..تعالي فورا هاتي ايمن وتعالوا..تعالوا كلكم وكلمي محمد ابن عمتي..تعالوا بسرعة

فيه إيه يا امل ؟! مالك قولي..

وبصراخ يمزق القلب : حمادة مات حمادة مات يا ابلة اميمة ؟

لم استوعب ولم اصدق رغم ثقتي بأنه لا حمادة الا هو ابن خالي واخي وصديقي ورجل رجولة..
الشاب الاربعيني.. وصرخ وصرع قلبي وانتفضت بي الأمومة.. حمادة ؟ حمادة ؟
كان نطق اسمه يكفي ..اسمه في العائلة لا يحتاج لشرح..
الكل يحبه..وقف جنبنا جميعا ..
اخ وصديق حين تضيق بي الدنيا ولا اجد احدا اتصل به بلا تحرج ولا تردد كما كان يقول لي برجولته: لو احتجت اي حاجة اتصلي بي..ان شالله في نص الليل ..انا جنبك ..هاعدي كوبري المظلات واجيلك..خمس دقائق ابقى عندك…وانا هنا رجلك..لا تخافي من اي شيء ..لا انت ولا بناتك..اقسم بالله من يمس شعرة منكم لأحرقه حرق…شاوري بس على اي حد يضايقك…
حمادة…وآه يا اعز الرجال ويا اصغر اخواتك البنات..
راح في شربة ماء كما يقال..
اه يا بطني..مستشفى..خرج ابسر الإلهي وهو يرفرف ويهذي لأخته : انا بمووت بمووت يا أمل..
ومات…بعد ساعة او اقل..
وتركنا نهذي ونكاد نجن ..مااات حماده تاركا يتامى صغار..
وعشنا المأساة جميعا..كل عاشها بطريقته..زوجته اختاه وبقية العائلة وأنا…
إلا أنا…حبيب طفولتي ..وذكريات بلا حصر..كنت اكبره ربما بعشر أو اكثر لا اعرف تحديدا..
طفل احضنه هو واخته كلما جاءا من القاهرة لبلدتنا مع خالي وزوجته..اخذه وانا بنت الخامسة عشر واهرب به بعيدا واذهب للمصوراتي الصور الشمس في الشارع الجديد ..صور مايه..كانت وقتها امام صناديق يدخل الرجل رأسه داخل الصندوق ونقف امام العدسة ..لا افهم ماذا يفعل وكأنه يولد الصورة من الصندوق الاسود.
المهم تطلع الصورة وأجري فرحانة بها على البيت واسمع كلام من جدتي وسب وشتيمة من ماما..بقا كده يا بنت تخرجي وتاخدي الواد في ايدك من غير ما تقولي لنا رايحة فين كل مرة تعملي العملة السوده دي ؟!
واخرج صورة من جيبي ؛ كنت بأصوره يا ستي .
تنظر جدتي للصورة ؛ وترد ساخرة مني كما عهدتها في طفولتي..وتحبط فرحتي : صورة ايه يابت دي ؟ صورة وهو متعور ومربوط بالشاش فوق قورته ونص عينه رايحة تحت الشاش..زي موشى ديان…تسخر جدتي..واحتفظ بالصورة ..
وذكرى لا تموت كلما شاهدت الصورة..
ويكبر حمادة امام عيني..
اشهد مراهقته وحبه الأول ومراسلاته لبنت عمته..
حب نقي بريء…لكنه محكوموعليه بالاعدام كانت قد تخرجت من الجامعة بينما هو لم يزل بالثانوي..
ويكبر في قلبي ويحب اخرى ويأتيني يحكي لي عنها.
ويشاء القدر له حرمانا اخر..ويجبر على زواج فيفشل بعد اعوام قليلة ..ويظل متنقلا من عذاب لآخر ومن حزن لآخر ومن حرمان لآخر..حرمانه من امه في عز صباه ثم حبيباته ثم ابيه ثم اخيرا يسلم روحه لبارئها ولم تزل آخر كلماته ترن في روحي قبل الوفاة حين اركبنا التاكسي انا وبناتي من المظلات الى نهاية الكورنيش ابدا لا انسى كلماته الاخيرة : انا هموووت بدري بدري يا ابلة اميمة ..بكرة تقولي صدقيني مخنوق على الاخر وحاسس الدنيا خانقاني وعمري ما فرحت ولا ارتحت..والله باضحك بس اما اشوفك واتكلم معاك بعيدا عن القرف اللي الواحد فيه..لكن انا بموت والله بمووت.

بعد الشر عليك ياقلب اختك ما تقولش كده..سيبها لله ولا تفكر

تعبان تعبان ومخنوق ومخنوق

حبيبي ابقى تعالي كل ما تلاقي نفسك فاضي اهو نتكلم شوية ولو اني باحملك همي..

جاء التاكسي : ما تقوليش كده..اتصلي في اي وقت..خمس دقايق اكون عندك..
احتضنته وطبطبت على ظهره وقبل رأسي وربت على ظهري : ياللا يا حبيبتي بالف سلامة ابقي تعالي وخلي بالك من نفسك..
ولم تمض ايام …
لم اسمع صوته بعدها ابدا
سمعت صراخ الغالية تناديني الحقيني يا ابلة اميمة ..احنا جايين هندفن حمادة خلي ايمن يفتح المقابر…على ما نيجي…
وسط عاصفة من الذهول..لم اصدق ولم استوعب..
في كل مرة يرحل عني غال او حبيب اموووت اموووت
اتنفس الموت..ويزيد زهدي في الحياة وأتساءل : اي شيء فيها جميل او مبهج او مفرح؟
ما معنى الحياة دون احبتنا وغاليينا…
وتتابع الصدمات صدمة تلو اخرى.
ويرحل الأحبة تباعا..
ويرحل معهم قلبي يأخذون روحي الى حيث يرقدون…
يرحل حبيبي وغالي وابني وسام الدويك ..اي صدمة تلك ياوسام ان اعيش حتى ارى هذا اليوم ؟!
يوم لم يخطر على بالي…
امازحه صبيا يدرس امامي بالتختة في السادسة عشر والسابعة عشر…
صبيا احبني بلا حدود واحببته بلا حدود..فأسأله : ابقى اترحم علي يا وسام اما اموت عارفة انك ستحزن كثيرا لفقدي ..

ليه بتقولي كده ياغالية..الأعمار بيد الله..انت عارفة انا ما اقدرش استحمل يوم زي ده…
وترحل امك في الاربعين وتبكي معي تبكيها وابكيها واضمكم واخوتك لقلبي ؛ يا لحزني ..رحلت الغالية وتركت لي ميراثا ثقيلا..مسئولية قصرت فيها تماما وان كنا نطمئن على بعضنا بين الحين والحين..
ولم تنقطع الصلة تماما…
واسأله : ستزعل عشاني صح ؟! صحيح بعد الام مافيش..لكن ستزعل ..قل لي ياماما..

عفوا غاليتي لا استطيع…كانت لي ام واحدة ورحلت وانت غالية غالية تسكنين القلب والروح.
حزنت يومها من ردك والتمست لك الاعذار..تشعر بي رغم بكورتك فتقول : اتعرفين عندما اصير في الخامسة والعشرين..ستكونين في الاربعين…وستكونين كما انت زهرة فواحة العبير ..انت لا تكبرين..فقط تناضلين ومع كل نضال تصيرين اجمل واقوى..
كنت اندهش لبراعة اسلوبه وجمال تعبيراته الشاعرة ..ولما قرأت تجلياته ورباعياته فيما بعد شجعته ونبأته : ستصير يوما شاعرا كبيرا وفنانا عظيما …المهم اذكرني وترحم علي..
ويأتيني يرمي هموم السنين واحزانه على اعتاب بابي المفتوح دوما ويهديني احزانه في شريط كاسيت لفيروز او موسيقى لعمر خيرت او تجليات فؤاد حداد وجاهين ..واغنية لمحرم فؤاد في عيد ميلادي : لو كان الأمر أمري لو كان في شيء بيدي كنت اشتري لك عقد لولي ويخت فضي واقولك ياللا عدي..

ايه الاغنية الحلوة دي ؟ جبتها منين ؟ اول مرة اسمعها…

ازاي بقا ؟ دي من الروائع ..هاجيب لك تشكيلة حلوة..
ونتبادل الثقافة والفنون الجميلة ، اعلمك واتعلم منك…
احتويك واشجعك واحبك..وتكبر امام عيني..وتكبر احلامك واحزانك …وتباعدنا الايام شيئا فشيئا وتدعوني لعرسك فتحول الظروف..تدعوني للكثير من النظوات والبرامج ونادرا ما البي فدوما كنت اتركها للظروف ..كنا نلتقي دوما صدفة احيانا مرة كل شهر او كل سنة ..لكن في ٢٨ اغسطس موعدك الذي لا تخلفه ابدا…تهنئني بعيد ميلادي : كل سنة وانت طيبة يا جميل…هيه برضه مش هاعرف اشوفك وحشتيني..ونفسي اقعد معاكي زي زمان واحكي او ابكي..
يأخذنا الحديث وقد ينتهي بسرعة وقد يطول بحسب الظروف..
تأخذنا الاقدار..
كل يرحل في همومه ويغرق في تفاصيله سنوات طالت وسنوات لكن اتابع اخبارك احيانا وانت ثم ننسى ثم يشغلنا صراعنا مع الحياة وننشغل اكثر سنوات حتى ماقبل رحيلك بعامين..
واقرأ نعيك على الفيس بوك..
وتصدمني الاخبار المنتشرة لا اصدق لا اصدق..
وقبلك رحل شريف رزق الخلوق الدمث والانسان…الذي كان يسأل عني بين وقت واخر ويهديني زهور الصباح..
ولا اعرف ايضا برحيله الا بعد شهور عبر تكريم سيقام له باستاد شبين الكوم ..خبر اقرأه بالاهرام صدفة…حتى انت ياشريف ؟!
كيف…صدمة واي صدمة…شريف رزق يرحل في عز شبابه يسقط فجأة ايضا مثله مثل حماده ومثل وسام ومثل ياسر ومثل هيثم..
وامووت اموووت
ومازلت اتساءل من هو الراحل ومن هم الأحياء…
ولا تخلو مقادير الرحيل من صدمة مروعة هدتني ..رحيل زميلي واخي الغالي د.جمال…وقد كتبت منشورا طويلا خاصا به عندما وكم بكيته كلما طالعت منشورات ابنته غاليتي آلاء..وصورة لا تفارق قلبي في آخر مرة زرته وهو على فراش المرض…
ولا يمكن انسى رحيل اخي وصديقى الغالي من الزمن الجميل د.احمد عطية..
ولا اخر لقاء بيننا على فراش المرض اللعين الذي هده..بعد غيبتنا سنوات طويلة فرقتنا فيها الغربة اللعينة…وانشغالاتنا.
اناس رحلوا وما رحلوا
بقوا في القلب والوجدان….
يرحلون وفي كل رحيل ياخذون قطعة من من قلوبنا هي الأغلى والاعز لأنها مسكونة بالحب والصدق والوفاء…
اجل ما اشبه اليوم بالبارحة
يرحلون عنا أم يرحلون فينا
رحمهم الله جميعا…
حمادة الزرقاني…وسام الدويك …شريف رزق…د.احمد عطية ..ياسر عمر الفاروق..
و د جمال جاهين …ولا انسى ايضا د.جمال عبد الناصر …
طال المقال ولم اقل شيئا…فلكل حكايته ولكل غلاوته ولكل انسانيته…
رحلوا جميعا في عز الشباب…
وبقيت السيرة عطرة وبقيت الانسانية في ضمائرنا وبقي الطهر دوما ذلك الذي كان دوما بيننا يعطر الذكرى..
ما أجمل العلاقات الانسانية الطاهرة …هي الأكثر عمرا..هي علاقات خالدة لا تموت بموت اصحابها…ولا برحيلهم عنا..
بيد انه يسكنني الخوف الخوف على احبتي من الأحياء…
اخاف عليهم بلا حدود وادعو لهم في كل حين يحفظهم الله ويرعاهم ويحميهم ويبارك عمرهم وصحتهم ويجعل يومي قبل يومهم..
عفوا احبتي الكرام…
لعل رحيل هيثم احمد زكي فجر مرثية منذورة لليل ووحدتي .
دمتم بصحة وخير.
اللهم ارحم موتانا وتغمدهم بواسع فضلك وأنر قبورهم يا ارحم الراحمين..وارحم والداي كما ربياني صغيرا..وعلماني كيف يكون الحب عطاء وحياة

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©